الهجوم على برجي التجارة العالمية منذ 15 عاما ، حدث تاريخي هز العالم ، وغير الخارطة السياسية الدولية على المدى البعيد ، ورسم الخطوط العريضة لمستقبل النظام العالمي الجديد ، بعد أن كانت خافية وكأنها مكتوبة بالحبر السري منذ زمن بعيد ، هجوم يلفه الغموض من حيث الدوافع والآلية المستخدمة فيه ، ولم يُجب على أكثر الأسئلة المشروعة والمنطقية الحاحا ، سبّب انهيار بنايتين بهياكل فولاذية ما كان لها أن تنهار ! ، ولا أريد تكرار بعض التفاسير التي سردتها حول هذا الهجوم في مقالتي (أحداث 11 أيلول ، الوجه الآخر) والصادرة في موقع (كتابات) يوم الأثنين 25 نيسان 2016 ، بحيث لا ينطبق اي تفسير آخر معقول ، غير تفسيرات نظرية المؤامرة .
راح ضحية هذا الهجوم الأجرامي والبربري (أيا كان مخططه أو مُرتكبه ) ! ، قرابة الثلاثة آلاف شخص ، وكما يُقال في المثل (قل لي مَن المستفيد من الجريمة ، أقول لك مَن الفاعل) ! ، هكذا خلق هذا الحادث ، التبريرات الكثيرة لأطلاق يد أمريكا في تخريب العالم وتدميره ، ومَنَحها السلطة المطلقة لتصول وتجول ، وعاد عليها بمنافع لا تحصى ولا تُعد ، أحدها انعاش تجارة السلاح وبث الحياة فيها بعد انتهاء الحرب الباردة ، انه تفكير نمطي للعم (سام) الذي يقول (لا بأس بالقليل من الضحايا ، لأجل الصالح العام) ! .
منذ 14 عام ، تحتفي أمريكا بذكرى هذا الهجوم ، وخلال هذا الأحتفاء ، تتوقف الحياة فيها بأكملها ، وربما العالم بأسره ، وتتعالى عبارات التضامن والتعاطف من كل دول العالم ، ومنها الدول التي تحوم حولها الشبهات من حيث تورط رعاياها وتوفر أدبيات الأرهاب الواضح فيها ، في تنفيذ هذا الهجوم الأرهابي ، وهي توفد ممثليها على مختلف المستويات ، وتقام المراسيم الكبيرة ، والوقوف بخشوع اكراما لضحايا هذا الهجوم ، جُدّد مكان الهجوم ، وأقيمت مكانه النّصُب النظيفة والأنيقة والواسعة والمعبرة وهي تضم اسماء ضحايا هؤلاء الهجوم ، وهي تُتلى على جموع المحتفلين فردا فردا .
فهل يعلم العالم الحر الذي ليس له هدف سوى استرضاء أمريكا بأعتبارها فوة عظمى ، وبمقتضاه يجب ان تتملق لها كل دول العالم (الديمقراطي) التي تدورفي فلكها ، والوقوف جنبها بأعتبارها برأيهم الوحيدة صاحبة الحق ، والراعية له ، فهل يعلم هذا العالم ، أن في بغداد وحدها ، يسقط ما يقارب عدد ضحايا هجوم 11 أيلول ، ولكن بمعدل كل شهر ومنذ أعوام ؟! .
والله انا في حيرة من أمري ، فمن واجبنا تكريم ضحايانا الأبرياء كما هو شأنهم مع نظرائهم من الأمريكان ، فأين ستكون نصبهم التذكارية ، وفي بغداد وحدها أكثر من 2000 هجوم ارهابي من العيار الكبير ؟!، فهل علينا بناء 2000 من هذه النُصُب ؟ وان كانت هذه النُصُب بنفس فخامة وسعة الطراز الأمريكي ، فعندها لن نجد أرضا في بغداد تأوينا ، وستكنس المنطقة الخضراء وبيوت المسؤولين الباذخة ، وأبواقنا الأعلامية الرسمية الكاذبة التي لا عمل لها سوى التقليل من وقع الجريمة ، وأختصار عدد الضحايا الى العُشُر ، تكنسها الى حيث الأزبال ، ولكن أنّى لنا ذلك ، والعالم لا يرى قيمةً لشهدائنا ولا حتى معشار قيمة ضحايا أمريكا ؟! ، بل لا نساوي شيئا لمسؤولينا ، ولم نرَ أحدهم يذرف دمعة ولوكذبا !، فلِمَ العتب على الغرباء !، ولكن هل بمقدور أمانة بغداد ، العاجزة عن تأدية أي من واجباتها الأساسية تجاه المواطن ، اقامة هذه النصب ؟ّ.
مقالات اخرى للكاتب