ما التقيتها لكني أعرفها لأني أعرف العراق , وأحترمها لأني أحترم العراق , وأفتخر بها لأني أفتخر بالعراق , وأكتب عنها لأنها نطقت بلسان العراق المقطوع منذ ألفين وثلاثة , فما سمعنا مثل خطابها من عبيد الكراسي وعَبدتها , والمُتعبدين في محاريب الدجل والبهتان والتضليل والإمتهان , الذين يسبّحون بإسم خالقهم الرزاق المغدق الرحيم , حتى صار الفساد دينهم القويم.
فيان دخيل تم تكريمها بجائزة لانتوس لحقوق الإنسان , التي تُمنح للذين يناضلون من أجل الحرية والسلام والمثل الإنسانية , واستحقتها بجدارة وأثبتت أنها أهل لها ولأكبر منها.
فيان دخيل إمرأة عراقية , تكلمت أمام الدنيا بروح العراق وصوته وتأريخه وعزته وكرامته , ونقلت نداءات إنسانه بلغة عربية فصيحة بليغة مؤثرة في القلوب والعقول , يعجز عن الإتيان بمثلها جميع حكام بلاد العُرب أوطاني.
ففي دول الدنيا يتم إجتزاء مقاطع من خطب المسؤولين وتدريسها في المدارس على أنها أمثلة للغة الرصينة والبلاغة المتينة والرؤى المبينة , وفي مجتمعاتنا إذا أردت أن تهين لغة الضاد فعليك أن تستمع لخطابات المسؤولين من أولهم لآخرهم , فما أجاد الواحد منهم إلقاء خطبة ذات قيمة لغوية وبلاغية إلا فيما قل وندر.
لكن خطاب السيدة فيان دخيل كان في غاية البلاغة والفصاحة العربية والتأثير في السامعين , وقد تكلمت بروح عراقية وأكدت المعاني الإنسانية والرؤى السامية الكامنة في أعماق العراقيين , وقدمت صورة واضحة عن أصالة الجذور العراقية وعراقتها وتشابكها , وإعتصامها بالقيم والمثل العليا التي جمعتهم في وعاء وطني واحد على مرّ العصور , فلا فرق بينهم , وما يجري على أرضهم يصيبهم أجمعين , والذي وقع على أي طيف من أطيافهم أصاب الأطياف الأخرى وبدرجات متفاوتة , وما حل بالأخوة اليزيدين يستحق النظر والتعبير عن الغيرة الوطنية وروح النخوة التي يتحلى بها العراقيون.
فالطائفة اليزيدية تعرضت لعدوان متوحش سافر مشين من قبل الذين يعادون الحياة والدين , ووقفت السيدة فيان بطاقاتها العراقية وغيرتها الإنسانية لتتصدى للعدوان , وتنقل الصورة المأساوية للدنيا وتتكلم بلسان حال الفجيعة الوطنية القاسية , التي حلت بأبناء العراق من الطائفة اليزيدية الطيبة الوطنية الطباع والسلوك.
فيان دخيل لم تتعصب وتتخندق وتتقوقع ولم تتكلم بمنظار ضيق صغير , وإنما تحدثت بلغة إنسانية مطلقة وبمفردات معبّرة عن نبضات الروح المشتركة لبني البشر أجمعين , وهذا يؤكد صدقها وأصالتها وسمو إرادتها وروعة ما فيها من التطلعات النبيلة.
تحية للعراقية الرائعة السامية المعاني والتعبير فيان دخيل , وإن الوطن الذي يكون فيه أمثالها سوف بنتصر , ويبقى ويكون ويصون أطيافه وطوائفه , ويتعلم من تجاربه دروسا ذات تأثير في مسيرة أجياله وصيرورته الحضارية النيّرة.
عاشت المرأة العراقية التي تقف كالنخلة الشامخة لا تنحني بوجه العاديات , وإن العراق لواعد وَلود!!
مقالات اخرى للكاتب