شرعنة القرارات في مكافحة الإرهاب
بدأ يوم 10 مارس 201 في أبوظبي منتدى "تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" الذي تنظمه دولة الامارات لتشكيل جبهة إسلامية من العلماء والمفكرين المعتدلين لمواجهة التطرف والتماشي مع التقدم. ويشارك في المؤتمر الذي يستمر يومين أكثر من 250 عالما ومفكرا إسلاميا معتدلا، لاسيما شيخ الأزهر أحمد الطيب والعلامة عبدالله بن بيه الذي يرأس اللجنة العلمية للمنتدى. افتتح المؤتمر سمو الشيخ عبد الله بن زايد، ويدعو المؤتمر الى التعايش السلمي ورسم خارطة طريق للخروج من الاسلام فوبيا ومكافحة التطرف والتشدد من قبل الجماعات الاسلامية. المنتدى هو دعوة للتعايش مابين جميع الاديان والثقافات القائمة على اساس المحبة والتسامح وقبول الاختلاف بالراي يعيدا عن العنف والتطرف . المنتدى وضح حقيقة هامة حول مفهوم الجهاد من قبل العلماء والمشايخ حيث أوضح الشيخ أحمد الطيب" أن الإسلام ألغى قضايا الثأر الجاهلي ومبادرة الأفراد والجماعات للثأر وجعل ذلك للحاكم فقط وجعل القتال الخارجي “الجهاد” لا يقوم به إلا الحاكم لأنه لو قام به الأفراد لنشبت الفتن واضطرب السلام فهو تدبير حكومي(..). وما اوضحه الشيخ الطيب هوتصحيح وعكس ما تتداوله التنظيمات "الجهادية "المتطرفة التي تدعو الى الخروج عن طاعة الحاكم واعطاء البيعة الى " امير المؤمنين" من وجهة نظرهم. المؤتمر يعتبر خطوة بالاتجاه الصحيح لمواجهة الايدلوجيات والتنظيمات المتطرفة.
الامارات العربية تتمتع بالشفافية
باتت الامارات العربية معروفة في شفافيتها وفي سياساتها في مكافحة الارهاب ودورها اقليميا ودوليا في ما يجري من في المنطقة ابرزها في سوريا في مكافحة التطرف ومواجهة التنظيمات الارهابية. أن فوز الإمارات بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 2013 له دلالات كثيرة، أهمها ان حقوق الإنسان. ومن نتائج ذلك حصول الإمارات على مرتبة متقدمة في سلَّم الشفافية العالمية، إذ جاء تصنيفها في المرتبة 29 وفق تقرير منظمة الشفافية العالمية وهذا يعني أنها من أقل بلدان العالم فساداً وأنشأت آليات متخصصة تُعنى بمجالات حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وان تصويت 184 دولة على القبول بعضوية الإمارات، إلا دليل على شفافيتها وجهودها في بناء الانسان والبني التحتية. الأمارات دولة منفتحة على العالم وبها أكثر من 193 جنسية تعمل بها وبها استثمارات ونشاط اقتصادي واجتماعي واسعة لتتحول الى مركز استقطاب عالمي في مجال الاستثمار والمال والاعلام والفنون والنشاطات الاخرى بعيدا عن التطرف وانتهاكات حقوق الانسان .
إن عقد مؤتمر تعزيز السلم في ابو ظبي جاء إمتداد الى دور دولة الامارات العربية في مواجهة فتاوى القرضاوي وتحديات شبكة الاخوان المحظورة في الامارات والمملكة العربية السعودية. وقد كان مدير شرطة دبي ضاحي الخلفان دورا بارزا بالتصدي الى بعض العمليات الارهابية ومواجهة فتاوى التكفير
المنتدى ممكن ان يمثل خطوة بأتجاه تصحيح المفاهيم الخاطئة فكريا عند المجموعات الاسلامية بأستضافتها المشايخ والعلماء المسلميين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم.
مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة الارهاب
انطلقت اعمال مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة الارهاب يوم 12 مارس 2013، بمشاركة دولية واسعة ابرزها دول اعضاء مجلس الامن الدولي وبمشاركة اكثر من اربعين دولة ابرزها اعضاء مجلس الامن الدولي ومنظمات امنية عالمية. وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ميلادينوف، في كلمة خلال المؤتمر الدولي الاول لمكافحة الارهاب، إن "ما يتم على ايدي ارهابيين يشكل تحديا للديمقراطية العراقية" معربا عن أسفه لـ “ما يواجه الشعب العراقي بشكل يومي”، مثمنا “دور القوات الامنية وما تواجهه يوميا في مكافحة الارهاب”. فيما دعت الأمارات، المجتمع الدولي إلى بذل المزيد من الجهود للقضاء على التطرف، وأكدت أنها تشجع على التقريب بين الأديان، فيما أعربت عن أملها بخروج مؤتمر بغداد الأول لمكافحة الإرهاب بنتائج ملموسة. وفي سياق اخر استدعت الامارات يوم 12 فبراير 2013 سفير العراق لديها وسلمته مذكرة استنكرت فيها تصريحات رئيس الوزراء العراقي المالكي التي اتهم فيها السعودية بدعم الارهاب، ذلك ما قبل انعقاد مؤتمر بغداد. إن اطلاق تصريحات على مستوى الاعلام من قبل مسؤوليين في الحكومة، قد يفرغ المؤتمر من مضمونه ومساره، طالما ان هذه الاتهامات غير مدعومة بالشواهد او الادلة، وان توفرت يجدر طرحها عبر القنوات الدبلوماسية. طرحها اعلاميا في هذه الايام ماقبل االانتخابات العامة المقررة في ابريل 2014، ممكن ان تفسر لاغراض الدعاية الانتخابية.
إن انعقاد مؤتمر مكافحة الإرهاب في بلد يعاني من الارهاب مثل العراق، بات ضروريا. هذه المؤتمرات ممكن استثمارها بالحصول على الخبرات والمشورة والتنسيق. إن مركز النهرين، المرتبط بمجلس الامن القومي العراقي يعتبر خطوة رائدة في النظام السياسي العراقي الحديث. في الانظمة الشمولية يستمع صانع القرار الى حاشيته القريبة منه، ومايزيد المشكلة تعقيدا ان حاشية صانع القرارهي من ذات المنظومة الفكرية او الحزب الذي ينتمي له الحاكم وصانع القرار. المعنيون بوضع ورسم الإستراتيجيات ينصحوا ان لايتخذ الحاكم مستشاريين من حزبه او منظومته الفكرية، لانه سوف لايسمع الا صوته.
لجنة مكافحة الإرهاب في الامم المتحدة
أنشئت لجنة مكافحة الإرهاب بموجب قرار مجلس الأمن 1373 لسنة 2001 الذي أتخذ بالإجماع في 28 سبتمبر 2001. وقد كلفت اللجنة التي تضم جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن البالغ عددها 15 دولة برصد تنفيذ القرار اعلاه وتنفيذ مايلي:
تجريم تمويل الإرهاب
بتجميد أي أموال لأشخاص يشاركون في أعمال الإرهاب
منع الجماعات الإرهابية من الحصول على أي شكل من أشكال الدعم المالي
عدم توفير الملاذ الآمن، أو الدعم أو المساندة للإرهابيين
تبادل المعلومات مع الحكومات الأخرى عن أية جماعات تمارس أعمالا إرهابية أو تخطط لها
اهمية مراكز الدراسات في صنع القرار
إن اعتماد صناع القرار الى مراكز الدراسات والبحوث المعنية برسم السياسيات تعتبر من معالم الدول المتحضرة والانظمة السياسية الحديثة، الولايات المتحدة الاميركية ربما هي اكثر الدول هوسا في مراكز الدراسات وحتى في خصخصة اللجان، اشهرها لجنة "بيكر هاملتون" التي كانت وراء سياسة مهادنة الولايات المتحدة الى ايران وسوريا وفتح الحوار مع الخصوم، وقد استثمرها اوباما في ادارته اكثر من بوش، رغم انها غير ملزمة. كذلك يستعين الكونغرس بمراكز دراسات وباحثين. مايحتاجه العراق هو خصخصة مراكز الدراسات والبحوث لكي لا تكون شمولية وتابعة للحاكم، وضروري اتباعها من قبل اللجنة الامنية في البرلمان العراقي ومن بعض المؤسسات الحكومية المعنية بالامن والاستخبارات، خاصة ان اغلب اعضاء اللجان لا توجد لهم خلفية امنية. وهنا من الجدير بالذكر ان خصخصة مراكز الدراسات لاتعني خصخصة الامن والشركات الامنية الخاصة التي تاتي بنتائج عكسية للامن في العراق.
إن اعتماد مراكز دراسات بحثية تقوم على عدد من الدارسين والباحثين افضل من الاستماع الى مشورة مستشار منفرد، لان الدراسات تقوم على نقل الحقائق دون ترويج او اطراء الى سياسيات صانعي القرار وان كانت هذه الحقائق قاسية وتتعارض مع مصلحة الحاكم ويقوم باعداها فريق متخصص.
مهام مراكز الدراسات
مراكز دراسات وبحوث الامن القومي معنية بتقديم تقارير موقف عن اي قضية داخلية او خارجية، وتقديم دراسات مستقبلية تقوم على التحليل الاستخباري، وهي من تتنبأ بتهديدات الامن القومي قبل حدوثها مع المعالجات. ولاهمية مراكز الدراسات في مكافحة الارهاب أقرت الجمعية العامة عام2011 إنشاء مركز داخل مكتب اللجنة المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب، وشجعت الدول الأعضاء على التعاون مع المركز، رغم ان هنالك لجنة مكافحة الارهاب في الامم المتحدة المرتبطة بمجلس الامن والتي تمتلك فرق عمل موزعة على ممثلياتها في العالم من اجل مكافحة الارهاب.
إن مهمة مراكز الدراسات ايضا هي دعم المؤسسات الحكومية ودعم الاستخبارات ذاتها من الداخل اي بدعم الشعب والمديريات الاستخبارية الميدانية في الداخل والخارج والمديريات الاخرى. إن إنعقاد مؤتمر بغداد الدولي جاء بالتزامن مع انقاد مؤتمر الامارات في ابو ظبي للفترة 12 ـ 13 اذار 2014 تحت عنوان "تعزيز السلم في المجتعات المسلمة". يشار انه كانت هنالك عدد من مؤتمرات مكافحة الارهاب الدولية منها مؤتمر اسطنبول في مايس 2013 ومؤتمر ميونخ للسياسات الامنية في ميونخ ـ المانيا شباط 2014 وغيرها. اهمية المؤتمرات في اوراق البحث والتوصيات.
شرعنة القرارات
ماهو مهم في مؤتمر بغداد الدولي، هو ضرورة شرعنة القرارات الصادرة من الحكومة العراقية، اي يكون هنالك تعريف واضح للارهاب على مستوى الدول والافراد الداعمة و االمتورطة بالارهاب وتفعيل ذلك قضائيا وسياسيا من خلال القنوات الرسمية والانتربول والاتفاقيات الثنائية مع العراق من خلال الفرق الفنية. إن إعتماد الشرعنة وتفعيل النشاط الدبلوماسي والسياسي ضد الاطراف المتورطة بالارهاب هو بعض ماينقص العراق في مكافحة الارهاب.
مؤتمر بغداد الدولي يقوم على بحث ومناقشة أربعة محاور رئيسة، هي التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، ومتابعة وسائل الإعلام المحرضة، والاستفادة من تجارب الدول في مكافحة الإرهاب، وكيفية معالجته، وهناك 20 دراسةً لباحثين عراقيين و21 لباحثين عرب وأجانب تناقش في المؤتمر من قبل متخصصين من المراكز المتخصصة. هذه المحاور تصدر عنها توصيات بحثية غير ملزمة الى العراق لمواجهة الارهاب.
سوريا والعراق جغرافية "جهادية"
يشار ان العراق وسوريا تشترك في مساحة وجغرافية للتنظيمات الارهابية ابرزها مايسمى"الدولة الاسلامية في العرق والشام" وغيرها من التنظيمات الارهابية. لقد استفادت سوريا استخباريا من مواجهة الارهاب والتنظيمات الارهابية على اراضيها واستطاعت تغيير موازين اللعبة في سوريا الى صالحها بعد ان كان خيار الحرب هو السائد. لقد وظفت سوريا ماتملكه من معلومات استخبارية حول التنظيمات والمقاتليين الاجانب لتقلب الطاولة وموازين الصراع الدولية والاقليمية في سوريا. المعلومات والخبرات التي يمتلكها النظام السوري بالتوازي مع الجهد العسكري بأستعادة الاراضي التي كانت تقع تحت سيطرة "الجهاديين" غيرت الموازين اللعبة. لكن في الحالة العراقية للاسف لم تستثمر الحكومة خبراتها وتجاربها في مكافحة الارهاب رغم كم المعلومات والوثائق التي يحصل عليها العراق حول التنظيمات "الجهادية".
يبقى منتدى الامارات ومؤتمر بغداد فرصة للحصول على الدعم المعنوي والدبلوماسي من بعض الاطراف الدولية والاقليمية من اجل مواجهة التطرف والارهاب وتطوير خطط وإستراتيحيات مكافحة الارهاب وإيجاد تعاون دولي واقليمي لتجفيف منابع وفتاوى الإرهاب من خلال شرعنة القرارات وتفعيلها ضد المشايخ والدول والافراد المتورطة والداعمة .
*باحث في مكافحة افرهاب والأستخبار
مقالات اخرى للكاتب