وانا في الساعات الاخيرة لوداع بغداد , هجمت علي هواجس الحزن والغضب والقلق والحسرة ونار الالم , من الحالة الكئيبة والشاحبة والمزرية والماساوية , بما آلت اليه الحال عاصمة العراق , من الاهمال والنسيان وسؤ التخطيط , وسؤ الحرص والمسؤولية , والتقصير بواجب الخدمات الى حد ارتكاب جريمة لاتغتفر بحق بغداد , فسؤ التوزيع العشوائي , وسؤ ادرة شؤون بغداد , وانعدام النظام والتنسيق في شؤون الخدمات البلدية , بترتيب المدينة وتنظيمها على قاعدة موروثها الثقافي والحضاري والتاريخي والاجتماعي , فقد وجدت بغداد في حالة يرثى لها , فسماءها مملؤ بالاتربة والتلوث البيئي الملوث والمضر بالصحة وجلب مختلف الامراض , فقد غاب الاهتمام بالتنظيم والتنسيق والترتيب والعناية الضرورية , وقلة الاشجار والتشجير وانعدام الاحزمة الخضراء , وقلة الحدائق والمتنزهات المهجورة, التي تعتبر اوكسجين لسكنة بغداد , مما اثر بشكل سلبي وخطير في تلوث اليبئة والجو الوخيم والثقيل , فوجدت بغداد ترثي وتنعي وتبكي على معالمها الحضارية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والفنية التي تشهد الانقراض المتعمد والمقصود , التي كانت يوما مدعاة للفخر والاعتزاز والكبرياء والحياة النابضة بالحيوية والنشاط, وكانت وجزء من شموخها وعنفوانها الناظر, فكانت صورة جميلة يتغزل بها الشعراء والكتاب , فقد غاب واختفى ذلك الزمن الجميل . وحل محله الخراب والدمار والموت البطيء , حيث الغبار والرمال والتربة المصحرة والجدب وفقر الاعمال , وانعدام المسؤولية بالتهميش والانغلاق المعيب , وعدم الشعور بالواجب والمسؤولية , حيث الجدب في الخدمات البلدية وقلة الاعمار والاصلاح والتنظيم , حيث الاختناق والخراب والبيئة الملوثة , فقد يتحمل الكامل المسؤولية , الذين تولوا ادارة شؤون المحافظة طيلة عقد من الزمان , وان المليارات الدولارات التي رصدت لبغداد , ذهبت لجيوب حيتان الفساد . لو كان هناك عدل وقانون للدولة العراقية , لكان هؤلاء المقصرين واللصوص والسراق الذين انتهكوا رياحين بغداد الجميلة , مصيرهم السجن المؤبد ومصادرة اموالهم وممتلاكاتهم , الذين اساؤوا الى بغداد وحكموا عليها بالموت البطيء , انها جريمة لاتغتفر , تدل على انعدام الضمير والوجدان , والجشع والطمع وشهوتهم الى المال الحرام , ان الذين تولوا شؤون بغداد تاجروا بارواح سكنة بغداد , من اجل اللغف والنهب والشفط , فلا احزمة خضراء , ولا حدائق ولا تشجير الاشجار , ولا بيئة حضارية ولا انسانية تليق لعاصمة لدولة نفطية , فلا تنظيم بل فوضى عارمة , ولا عمل مبرمج يعطي ثماره , حيث الاختناقات المرورية والازدحامات المجنونة , الذي لايتصوره العقل السليم , حيث تتعطل حركة المرور لساعات , بسبب عشرات سيطرات التفتيش , كأنها وجدت لارهاق اعصاب المواطنين وتعذيبهم النفسي والجسدي , بحجة الحماية الامنية وردع الجماعات الارهابية , بينما هؤلاء الوحوش يمرون من سيطرات التفتيش بطرق مريبة دون عوائق وصعوبات , لقد غابت عن بغداد البيئة النظيفة والمريحة التي تليق بعاصمة دولة غنية بمواردها النفطية, وبسبب غياب الكفاءات والخبرة والمسؤولية , وغياب الجهد المسؤول والحريص , حيث اكوام النفايات والازبال والقمامة في كل زاوية , وتلوث المياه وانتشار البعوض والذباب بشكل كثيف في كل مكان , وخراب مجاري شبكة الصرف الصحي , والحفر والشوارع غير الصالحة لسير السيارات , والطرق الترابية والاختناق , وقلة تقديم خدمات البلدية الناجحة في تأدية عملها , لذا بدأت بغداد غريبة عن وجهها المعروف وكئيبة متشحة باثواب الحزن والمرض , رغم انها كانت مدعاة فخر واعتزاز ، بانها كانت تتميز بالتنوع الحضاري والثقافي والاجتماعي , وكثرة المراكز الثقافية والترفيهية والفنية , وكثرة ساحاتها الجميلية بالنصب والتماثيل والجداريات الفنية التي تمثل قصص الف ليلة وليلة , , وحين مررت بساعة الوداع على المنطقة الخضراء ( بؤرة الفساد والجريمة والشؤوم ) كانت السماء تنزف من الاتربة والغبار بشكل كثيف , بحيث يحجب الرؤية لمسافات قليلة , تساءلت اين ذهبت المليارات الدولارات ,التي رصدت لبغداد ؟؟ .بغداد التي كانت قبلة للشعراء والكتاب , الذين كانوا يتنغموا بها كالحبيبة النظارة والجميلة , فقد تنغمت بها فيروز
بغداد والشعراء والصور . . ذهب الزمان وضوعه العطر . . عيناك يا بغداد اغنية يعني الوجود ويختصر
وترنمت بها ام كلثوم في قصيدة رائعة
بغداد يا قلعة الاسود
يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
ان الجريمة النكرى والشنيعة , والتي لاتغتفر بحق مدينة دار السلام والحب , تتحمل مسؤوليتها الاحزاب الاسلامية , التي اختارت اشخاص عديمي الخبرة والكفاءة والمسؤولية , اشخاص لايفهمون ولا يبصرون بالمعاني المسؤولية , ولا بالموروث التاريخي والثقافي والحضاري , ولا يدركون قيمة معالمها الثقافية , اشخاص فشلوا في تولي المسؤولية , اشخاص شهوتهم المال الحرام والغباء والجهل لتاريخ بغداد , لقد اغتالوا بغداد وحكموا عليها بالموت السريري ,فحطموا عنفوانها وشموخها وبريقها . . لكن لابد ان يبزغ اليوم الذي يعيد لبغداد شبابها وعنفوانها وكبرياءها وموروثها التاريخي والثقافي والحضاري والاجتماعي
لابد ان يشرق النصر من جديد
سمعت في محرك الوليد
يبرق النصر من جديد
ويقود في ساحة الرشيد
بغداد يا قلعة الاسود