يعتز أهالي مدن العالم المتمدن برموز معمارية أو فنية أو هندسية باعتبارها دلالات تشير الى رفعة في الذوق و احترام للمنجز . فأذا كان اللندنيون يفخرون بـبرج لندن على التيمس والموسكوويون بكنيسة القديس فاسيلي في الساحة الجميلة ( المعروفة خطأً بالساحة الحمراء ) وأهل باريس ببرج أيفل في تروكاديرو المتباهية بسحرها ....وغير ذلك من الشواهد الجميله ، فلماذا يقف نصب الحرية غريبا في موطنه ناهيك عن مجهوليته لدى عشاق الفن والحرية في بقاع العالم المتمدن ؟
اريد المقارنة البسيطة بين برج ايفل ونصب الحرية ، وهذا رايي الشخصي متضمنا أحترامي لبقية الاراء . لا أرى في برج ايفل شيئا غير الدقة الهندسية العظمى في حسابات البناء التي لولاها لانهد هذا المنجز منذ يومه الاول ، اضافة الى الرشاقة والانسيابية في صعوده المتجانس . لا شيء آخر !
لكن نصب الحرية في مركز بغداد شيءُ آخر . أنه يتكلم معك عندما تنظر اليه . أنه يحدثك عن نفسك وأسلافك وتضحياتكم واحلامكم . كل قطعة في نصب الحرية تتحرك في تحد عجيب للجمود و التخلف والانغلاق على الذات .
صادف ان نزلت مرة في فندق كبير افتتح للتو آنذاك يقع على أحد شوارع منطقة ( بير حكيم ) في باريس . وفي حديث مع مسؤول الفندق عن الشواهد الجميله أخبرني عن شيء دل في حقيقته عن حب المسؤول لموطنه ومدينته ، قال ان رئيس بلدية باريس في ذلك الوقت جاك شيراك( الرئيس الفرنسي فيما بعد ) أرجع تصميم الفندق الى أصحابه أكثر من مرة لانه كان يحجب مشاهدة برج ايفل من نهايه الشارع . أذعن اصحاب الفندق لأمر البلدية وأبعدوا الفندق عن الشارع بضعة أمتار حتى تم انهاء الحجب . هذا مثال !!!!
نصب الحرية تعرض لنيران اسلحة ذات يوم ...مرت من تحته دبابة الاحتلال متحدية كل قوانين الحرية في يوم آخر . ..على جوانب مساند النصب لوحظت في يوم من الايام آثار بول بشري ، أجلكم ألله ، ..وعلى جوانب هذه المساند تلصق صور دعاية باهتة لانتخابات أشخاص يجهلون أسم عاصمة العراق !
أما حول النصب من مناطق ينبغي ان تكون ذات جذب سياحي واسترخاء من متاعب الحياة لمواطني بلد الثقافة والنور ، فالعكس تماما حيث الفوضى بكل انواعها والتردي الذوقي بشتى منتجاته والهجوم العنيف على أخلاقيات الناس في محاولات حثيثة لنشر كل ما ينتمي للعهر والفجور . لكن ألى جانب هذا أود بكل قوة التاكيد على وجود كثيف لأولاد الحلال والرجال الشرفاء من اصحاب المحلات والبسطيات الذين هم أهل للعناية من لدن المسؤول الذي يتقاعس في توفير البناء الملائم لهم والذي ينسجم مع جمالية وفكرة نصب الحرية ...وهذا يتطلب كوادر هندسية مثقفة وكفوءة لا تؤمن بفكر الترقيع السائد .
جميع الحكومات المتعاقبة أهملت نصب الحرية ..ربما بسبب عداء شخصي للرجل الذي أفتتحه. مصيبة وعقم فكري !!
في موسكو لايزال تمثال فلاديمير مايكوفسكي شاعر الحزب الشيوعي السوفييتي قائما في منطقة نظيفة ..في لندن لايزال تمثال كرومويل مؤسس الجمهورية الانجليزية في موقع جميل ونظيف رغم انه في حياته اعدم الملك شارلز .. ..أما عندنا ......؟؟
السؤال للسادة محافظ بغداد و أمين العاصمة : هل في خططكم لاعمار بغداد ، ان كان لديكم ثمة خطط ، خطة لاعمار منطقة حديقة الامة وما حولها بما ينسجم وفكرة النصب الرائع غير متجاوزين على ارزاق الناس في خطة اساسية بعيدة عن الارتجال والمزايدات ؟ خبراء العراق المنفيون في شتى بقاع العالم هم الاولى بأعمار بلدهم لما يمتلكون من خبرة عالية ومواكبة للتطور العمراني – الثقافي فلماذا لا تتاح لهم الفرصة دون تدخل الطفيليين والدخلاء على الاعمار – الثقافة ؟؟
كلمة اخيرة : ألا يستحق الفنان الشجاع والمبدئي جواد سليم تمثالا تحت نصب الحرية كما لغوستاف ايفل تحت برجه؟
وأقتراح لمسؤولي الاعلام بتعميم صورة نصب الحرية على جميع فضائيات العالم لتظهرها عند قراءة النشرة الجوية ......في الأقل
مقالات اخرى للكاتب