تيتو هو الاسم الحركي لرئيس الحزب الشيوعي اليوغسلافي وهو ايضا رئيس يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية،” تيتو” والذي يعني باللغة اليوغسلافية (الشريف الامين) ،استمر في السيطرة على الحزب والبلد من 1939 – 1980 كان تيتو قد اشترك مع البلاشفة في ثورة اكتوبر 1917 بعد هروبه من الاسر خلال الحرب العالمية الاولى، هو من اب كرواتي وام سلوفينية ،اي جمع بين قوميتين،وكان له خطه الخاص يختلف عن الاحزاب الشيوعية في اوربا الشرقية ويشاكس الحزب الشيوعي السوفيتي وستالين حينما اخذ يساعد الشيوعيين في اليونان غير خاضع للاتفاق الذي ابرم بين ستالين وتشرشل فيما يخص اليونان،وهو موقف كان انتهازيا وسلبيا من قبل السوفيت تجاه الحزب الشيوعي اليوناني ،وكانت حجة السوفيت هي للمحافظة على يوغسلافيا ، وحينما تمرد تيتو على السوفيت خسروا الدولتين (اليونان واليوغسلاف)! انها لعبة الامم ،ذهب ستالين وتصالح تيتو مع السوفيت ولم يكن على وفاق مع ماو في الصين، احس بأن السوفيت يحاربون امريكا والرأسمالية من خلال دول اخرى فرفض الاشتراك بالحرب الباردة بين امريكا والسوفيت،واختار طريقه الخاص ، قالوا عنه عسكري، وبرجوازي ،ولن يهتم ،اقام علاقات غريبة مع الانقلابين في شيلي ، قاطع اسرائيل بعد 1967 والغى تأشيرة الدخول الى يوغسلافيا واتخذ مجموعة من الاجراءات النقدية لتقوية العملة تجاه الدولار،في الداخل كان اليوغسلاف يحبون تيتو ويخافون منه ايضا ، فكان يقمع الاقليات اذا طالبت بالانفصال او الحقوق القومية ،وكان الشباب والشابات يمارسون العبادة الشخصية لرمز وحدة يوغسلافيا،ففي جلسة جمعتنا بشباب وشابات من يوغسلافيا ، حاول احد العراقيين ان يمزح بالسياسة فشتم تيتو، جن جنون اليوغسلاف وخاصة الشابات وهددونا بأخبار الامن وتسفيرنا من يوغسلافيا، الا يشبه هذا التصرف ما يحدث لجماعتنه البعثيين حينما يشتم احدا صدام.
كان علي ان اسافر لغرض الترفيه الى الدول المجاورة ليوغسلافيا قبل العودة الى العراق،وأذا كانت سفرتي من البصره الى بغداد ومنها الى بلغراد تضمنت الكثير من المفارقات اذكرمنها هو اني كنت قد حجزت بالطائرة من البصرة الى بغداد ، لكن الجو كان غير مناسب للطيران ! فأضطررنا انا واحد المسافرين الى يوغسلافيا ان نسرع الى كراج بغداد في البصرة ونركب اي سيارة تقلنا الى بغداد لأن طائرتنا تقلع صباحا،كان صاحبنا وهو من (البيلت) البحرية يدرس في يوغسلافيا واراد ان يعلمني بعض الكلمات فبدأ يعلمني السب والشتم و(الفشار) قائلا سوف تسمع هذه الكلمات كثيرا من اليوغسلاف! قضينا باقي الليل في احد فنادق الكاظمية، فجرا كنت اسمع صرخات بصوت غريب ، نهضت لأرى صاحبي يتدرب (الكارتيه) اقنعني هذا بأن الوزن عندي ثقيل وسوف يأخذون مني غرامة بينما الوزن عنده خفيف، كان بعض اهالي اصدقائي الذين سبقوني بالسفر الى يوغسلافيا قد ارسلوا معي الصوغات وخاصة (الكليجه) وضعت بعض الاكياس في حقيبة مرافقي، وذهبنا الى المطار، سلمت حقيبتي وجوازي وتم ختمه! وخلفي عندما سلم صاحبنا جوازه قالوا له جوازك لا يمشي فهو نافذ لسفرة واحدة ! هذه من ابداعات البعث يكون على المسافر الذي يعود للعراق مراجعة الجوازات لختم جواز سفره وليكون نافذ لسفرة اخرى وهي طريقة للسيطرة على الناس ويمكن منعهم في اي وقت من السفر! المهم صرت انا في الداخل بينما صاحبنا هو وحقيبته وبعض اغراضي الى خارج المطار! لم تنته المفارقات بل حينما وصلت الى يوغسلافيا وكان احد الاصدقاء بأنتظاري لم احصل على حقيبتي لأنه تم شحنها الى الدنمارك! وعلي الانتظار والمخابرة عدة مرات حتى ترجع من الدنمارك الى قسم الامانات في مطار بلغراد لأستلمها! اما حينما جاءت عطلة الصيف وقد اجتزت امتحان اللغة ونجحت قررت السفر الى بولندة، انطلقت مسافرا الى بولنده كانوا يقولون عليها رخيصة جدا وبيها (الوناسة) ونحن بالقطار تلمسنا (الوناسة) ! وقبل ان نصل الى العاصمة (وارشو) صعدوا تجار العملة للتصريف ،وكانت عملتهم (الزلوتي ) بالحضيض ، تعطي 100 دولار اي 33 ديناراً عراقياً في حينها تستلم شدات من عملتهم، كان الملفت للنظر هو ان رجال الشرطة يشتغلون بتصريف العملة ايضا، وكانت النساء عندهم كثيرات وجميلات ويحبون الاجانب، لذلك كان هناك الكثير من الليبيين والعراقيين ، يتمركزون في منطقة السنتر، مكثت في وارشو 15 يوماً مرت كأنها15 ساعة، وكاد الأغراء والترفيه يجعلني اقرر البقاء في بولندا ،ولا احتاج الا التطوع للعمل في السكك الحديدية واتحاد الشبيبة يعمل لي قبول بأحدى الجامعات، لكن رغبة السفر والعودة للعراق كانت قوية! مررت بدولة بلغاريا وصوفيا كانت شكل ثالث ،يوغسلافيا لم تكن شيوعية (طريق خاص للاشتراكية ) وانتهت بعد موت تيتو سنة 1980 الى التفكك والتخلي النهائي عن الاشتراكية والتفتيش عن الهويات القومية المفقودة ومن ثم حرب اهلية طاحنة، بولندا شيوعية لكن فيها صراع طبقي ليس بين العمال واصحاب العمل بل بين نقابات العمال والمسؤولين الشيوعيين الاغنياء وانتهت بثورة عارمة كانت اول دولة اوربية اشتراكية تسقط النظام الشيوعي، بلغاريا تحاول ان تكون نسخة طبق الاصل من الاتحاد السوفيتي ،حتى جثمان ديمتروف يقلد جثمان لينين في الساحة الحمراء، صوفيا مدينة خشنة التعامل مع الاجانب وفيها تقشف من الولادة واين ما تسير هناك من يريد ان يبتزك ويخدعك ! كيف لن تتزعزع قناعاتي بعدم جدوى الشيوعية لبناء مجتمع عادل وانا ارى بعيني كل هذه التناقضات كنموذج في ثلاث دول شيوعية! لكن الحب حتى في السياسة كان اعمى!!
مقالات اخرى للكاتب