أذكت الأمطار الاخيرة التي هطلت على بغداد وباقي المدن العراقية روح الغضب الشعبي ضد صلف الحكام الذين أداروا ظهورهم للمطالب الشعبية بالحرية والخدمات , وتمادوا في اتباع سياسة تبديد المال العام بالطالع والنازل, بعد ان كشفت الامطار, مرة اخرى, زيف وعودهم التي قطعوها للمواطنين في انجاز مشاريع استراتيجية للبنى التحتية تحل مشكلة المياه الثقيلة. فقد اغرقت مياه الامطار الشوارع والحارات والبيوت وطفحت المجاري.
وبعد ان كشف المطرعورتهم, جاءت تصريحاتهم واجراءاتهم بعدها لتظهرهم عراة بالتمام امام المواطن وتفضح حقيقة ادعاءاتهم بالسعي لخير المواطن. ففي معرض تبريرهم لفشلهم المروع حملّوا السماء ذنباً, تلافيه يدخل في صلب مسؤولياتهم, فقد صرح نعيم عبوب وكيل امين العاصمة للشؤون البلدية :" بأنهم لم يكونوا يتوقعون ابداً هذه الكمية الهائلة من الامطار" مع ان من مسؤوليتهم توقع الأسوأ والتحسب له. ثم الأخذ كذلك بنظر الاعتبار الزيادة السكانية المتوقعة وتنامي النشاط الصناعي والزراعي. لكن رئيسه رياض العضاض رئيس مجلس محافظة بغداد, كان اكثر هزلاً وهزالاً وهو يتعجب من غضب المواطنين لابل يهزأ من معاناتهم بقوله :" ان المطر مفيد جداً لبغداد, وقد غسل لنا هذا المطر شوارع بغداد, وقضى على الامراض المسرطنة للانسان وغسل الاشجار والمباني.." ومع اننا نتفق معه في فوائد المطر, ولكن نباهته لم تسعفه ليستنتج بأن ماغسله المطر لم تصّرفه مجاريه بل اغرق شوارع العاصمة وزاد الطين بلّة, بكل ما للكلمة من معنى. كما طفت الازبال التي لم تجمعها سيارات بلديته وطفحت مياه المجاري التي لم ينجزها مقاوليه او انجزت باسوأ المواصفات الفنية وتسربت المياه الثقيلة الى دور المواطنين واسقطت بعضها على رؤوس اصحابها من الفقراء, ثم تركهم بعد ذلك وهم فيما هم فيه من كرب.
لكن بطل التهرب من المسؤولية وتجنب النقد, كان مكتب رئيس الوزراء الذي سارع بأعطاء اليوم التالي عطلة رسمية, متوسلاً بالمطر ليتوقف وبمياه الامطار ان تنحسر. ثم اللجوء الى اجراء ترقيعي لمداراة الفشل, بأرسال سيارات حوضية لسحب مياه الامطار من الشوارع, بعدما اسقط اصحاب الشأن بأنفسهم التبريرالسابق الذي طالما كانوا يعتصمون به وهوعدم توفرالطاقة الكهربائية الكافية لتشغيل توربينات سحب المياه الثقيلة.
لقد جرى تبديد الاموال العامة مرتين, مرة على مشاريع بلدية فاشلة لاتعتمد المواصفات الهندسية والصحية العالمية, واعتماد وسائل مكلفة, كشفط المياه بالسيارات الحوضية, وعدم الاخذ بنظر الاعتبار احتمالات الحالات الطارئة رغم صرفهم المليارات من الدولارات على هذه المشاريع. وتبديدهم الاموال مرة اخرى على دفع اجور ورواتب عمل لآلاف العمال والموظفين في مرافق الدولة ليوم عطلة, وهو ما يحمّل كاهل الدولة عبأً اضافياً جديداً.
لاسيما وان قرار اعطاء يوم عطلة واحد رغم ان المدارس والجامعات واحياء كاملة لازالت غارقة بمياه الامطار, يخفى وراءه غرضاً سياسياً, الا وهو امتصاص الغضب الشعبي, ويأتي استباقاً لأندلاع مظاهرات احتجاج واسعة ضد المجموعة المتحاصصة الفاسدة ومسؤوليتها عن تكرر مآسيهم.
وكان للتمادي في تعطيل الاعمال وحالات منع التجول, مهما كانت اسبابها ومبرراتها من طبيعية,او سياسية,او مذهبية, تأثيراً سلبياً على كامل النشاط الاقتصادي وتخسرالبلاد جرائها موارداً ضخمة, كما انها تحرم شرائح عريضة من المواطنين الاكثر فقرا من تأمين قوتهم اليومي .
ان سياسة تبديد الاموال العامة بحجج مختلفة والتخصيصات ( الاستثنائية ), بحجة تغطية الاضرارالعامة او تعويض المواطنين, غالبا ما تخفي في طياتها مشاريع فساد, يجري من خلالها تسريب ملايين الدولارات تحت الطاولة لتمويل احزاب وشخصيات الفساد المتسلطة على الحكم.
لقد أفلح الفُساد المتحاصصون من أهل السلطة في ترسيخ قناعة راسخة في عقولنا انهم لايعدمون الوسائل لسرقة المواطن والاثراء على حساب آلامه ومآسيه, فهم لا يرعون إلاً ولا ذمة.
مقالات اخرى للكاتب