ان الحكاية البسيطة التي وجدت حضوراً في ذاكرتنا منذ الصغر هي حكاية الاب الذي جمع ابناءه و اعطى كل واحد عوداً و طلب منهم ان يكسره ففعل ذلك بيسر ثم جمع حزمة من العيدان وطلب من كل واحد منهم ان يكسرها مجتمعة فلم يستطيع و منها كانت الحكمة التاريخية حيث اوصى الاب اولاده اذا عملتم كافراد امكن كسر كل واحد منكم على حدة اما اذا جمعتم بعضكم بعضاً فما من قادر على كسركم مجتمعين .
ان الوحدة هي طرح شامل يراود الجميع على اختلاف مشاربههم السياسية و معتقداتهم و اديانهم و مذاهبهم و تقوم على أساس التنازل بعض الشيئ عن الامتيازات و الحقوق لصالح الأخر في سبيل تحقيق هدف اسمى في اطار متفق عليه بين الاطراف . و لايكاد تخلو فكرة او شعب من معرفة أهمية الوحدة في حياتهم و تأتي في سلم الاولويات ضمن برامج الحكومات و أهداف الاحزاب السياسية بل و تنادى بها كل التجمعات و النقابات و المنظمات و تطرح أفكاراً و أراءً شديد في سبيل تحقيق الوحدة و ان الدعوة الى الوحدة هي أشارة واضحة على تعدد الأفكار و القوميات فلا وحدة بلا تعدد و لا وحدة بلا اختلاف و تكامل و الجسم البشري لا يمكن ان ندركه إلا بتركيب متناسق فلا يمكن لليد مثلاً ان تمثل الجسم كله و لا يمكن ان نجعل أعضاء الجسم نسخاً بعضها عن بعض و إلا فلا داعي لوجودها حيث يحب ان يكون كل عضو مختلفاً عن الأخر و لكنه منجسم مع الجسم و يعمل ضمن نطاقه و ليس ضده حيث لا يمكن ان يعمل القلب بدون دم و لا للدم ان يعمل بلا شرايين و لا اللحم بدون عظام و هكذا .
بعد هذه المقدمة المهمة و البسيطة عن أهمية الوحدة بشكل عام إلا أن الشعب الكوردستانى بكل أديانه و طوائفه و قومياته بأمس الحاجة الى مثل هذه الوحدة من رص الصفوف و الوقوف يداً واحداً و بجسد واحد أمام هذه الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الاقليم و تأتي هذه الاهمية في الوقت الحالي للأسباب التالية .
1. ان كل الاحداث التاريخية القديمة و الحديثة تدل على ان الشعب الكوردي اقترب في مراحل عديدة من تحقيق أماله بأنشاء كيان سياسي يمكن ان يعبر من خلاله عن تطلعاته و القيام بدوره المنشود في بناء الحضارة الانسانية إلا ان عدم وجود الوحدة و التفرقة حالت دون ذلك و ان أراء العديد من المؤرخين و السياسيين تؤكد ماذهبنا اليه بل كانت التفرقة السبب الرئيسي عن فقدان المنجزات .
2. ان جميع الشعوب و القوميات في المحيط الاقليمي للشعب الكوردي على دراية بأن وحدة هذا الشعب يعني ضعفهم أمام متطلباتهم و لايمكن لهم أن ينالوا من حقوقهم و لا يستطيعون ان يقفوا أمام مدهم المشروع و العيش على ارضهم بحياة كريمة لذا عملوا بكل جهد و دبروا المؤامرات و عقدوا الاتفاقات بالرغم من اختلافهم فلا يجمعهم الا التأمر وأضعاف الشعب الكوردستاني و لنا التاريخ العديد من الامثلة و المحطات .
3. ان الظروف السياسية و العسكرية التي تمر بها اقليمنا من محاربة داعش و الجماعات الارهابية الأخرى التي تريد النيل من هذه التجربة الفتية في البناء الديمقراطي و ان محاربة داعش على طول الحدود لأكثر من ألف كيلومتر و عدم استعداد الحكومة العراقية الاتحادية التقدم قيد أنملة في سبيل مساعدة الاقليم لادارة شؤنه السياسية و العسكرية بل العكس اصبحت الحكومة العراقية تلعب الدور السيء في أدارة هذه الازمة بين الافتعال و أطلاق التصريحات التي تؤجج الشارع لأهداف و مرام معينة .
4. ان الدعم الدولي اللامتناهي من الناحية العسكرية و الدبلوماسية للأقليم بعد أن لعب دوراً بارزاً في محاربة داعش و أثبتت جدارتها في المحاربة نيابة عن العالم المتحضر حيث بات العالم المتقدم تتعامل مع الأقليم و كأنه كيان سياسي مستقل فعلى سبيل المثال لا الحصر ان رئيس أقليم كوردستان السيد (مسعود البارزانى) حضر الى مؤتمر مينشن للأمن كرئيس و مشارك ممثلاً عن الشعب الكوردستاني .
5. ان الخلافات السياسية بين الاحزاب و الكتل السياسية في الأقليم وصلت الى حد يخشى منه و من تداعياته على أمن الاقليم و مكتسبات هذا الشعب المغلوب على أمره و أصبحت الاتهامات المتبادلة بخلق الازمات و عدم قدرة البعض من أدارة ملفات و الفشل فيها و الارتباط بالخارج و العمل وفق أجندات الدول الاقليمية تصريحات شبه يومية و لعبت الاجهزة الاعلامية المختلفة (مع تقديرنا لعملهم) دوراً لا يحسد عليه في سبيل تعميق الخلافات و باتت معول هدم في العملية السياسية القائمة .
6. ان الاحداث و التطورات المتسارعة في المنطقة (الشرق الاوسط) تدل بوضوح انها مقبلة على التغيير في حدودها و حسب التحليلات الصادرة من المراكز القريبة من مراكز صنع القرار في العالم تشير ان هذه التغيرات تكون لصالح الشعب الكوردستانى و انه على أبواب للأعلان عن كيان مستقل و تحقيق الحلم الكوردي المنشود ببناء دولته المستقلة يعبر فيه عن تطلعاته و يتمتع بحقوقه .
و من الممكن ان يكون هناك اسباب أخرى عديدة و لكننا نكتفى بهذا القدر فالمهم ان جميع الاطراف و الشعب الكوردستاني برمته على علم بأهمية الوحدة و ضرورتها خاصةً في الضروف الراهنة و الوقت لايسع و لايدع المجال أكثر لأنه يمر في صالح أعداء هذا الشعب و ان هذه الضرورة المفقودة على الجميع و الكل مطالب بلعب دوره كل على قدر مسؤوليته دون استثناء من الاحزاب السياسية و الاعلام و منظمات المجتمع المدني و
المؤسسات التربوية و دور العبادة و أصحاب روؤس الاموال و الموظف و العامل و حتى الأطفال و لأننا يجمعنا المصير الواحد و الاقليم الواحد و ان الكل قد ضحى من أجل هذا و علينا ان ننظر بعين الاعتبار دماء شهدائنا الابرار الذين ضحوا بأغلى ما لديهم من أجل حريتنا و عرق جبين البيشمركة الابطال و دموع الاطفال و الأرامل ... لذا فأن الوحدة الكوردية على الرغم من ضرورته إلا انه مفقود فعلينا جميعاً التنازل عن بعض من مصالحنا الذاتية لأجل المصلحة العليا و نبذ الكراهية و الحقد و اتخاذ المواقف السلبية و السبق بقرار الحكم على الغير .
مقالات اخرى للكاتب