الغزال فقيه سلطوي عرف بمواقفه المؤيدة للسلطة، حتى شغل منصب قاضي القضاة، وهذا المنصب- بتعبيرنا اليوم- رئيس مجلس القضاء الاعلى. البعض تعد الغزالي فيلسوفاً وهذا خطأ شنيع جداً، ونحن نعرف أن الفيلسوف: هو من يأتي بنظرية جديدة في الفلسفة، او يطور نظرية من سبقوه في هذا المضمار من الفلاسفة. والغزالي قد عرف ايضا بتهجمه على الفلاسفة، وتكفيره اياهم في كتابه(تهافت الفلاسفة) حتى رد عليه ابن رشد في (تهافت التهافت) ردا منطقيا اوقفه فيه عند حده.وبين ايدينا كتاب الغزالي المعنون "المنقذ من الضلال" وفيه يدعي انه هضم الفلسفة بسنتين ومن دون اساتذة، متعمداً فقط بالاطلاع على كتب الفلاسفة، ومن ثم يكفرهم ويعتبرهم اصحاب باطل وضلالة.الفلسفة باطلة بنظر الغزالي!
يقول الغزالي: "الفلسفة احاصيلها، ما يذم منها وما لا يذم، وما يكفر فيه قائلة، وما لا يكفر، وما يبدع فيه وما لا يبدع، وبيان ما سرقوه من كلام أهل الحق، وما مزجوه بكلامهم لترويج باطلهم في درج ذلك، وكيفية حصول نفرة النفوس من ذلك الحق- وكيفية استخلاص صراف الحقائق الحق الخالص من الزيف والبهرج من جملة كلامهم".
ويضيف: "ثم إني ابتدأت - بعد الفراغ من علم الكلام - بعلم الفلسفة، وعلمت يقيناً: أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم، ثم يزيد عليه، ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم، من غوره وغائله، وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقاً. ولم أر أحداً من علماء الإسلام صرف عنايته وهمته إلى ذلك، ولم يكن في كتب المتكلمين من كلامهم - حيث اشتغلوا بالرد عليهم - إلا كلمات معقدة مبددة ظاهرة التناقض والفساد، لا يظن الاغترار بها بعاقل عامي، فضلاً عمن يدعي دقائق العلم، فعلمت أن رد المذهب قبل فهمه والاطلاع على كنه رمى في عماية".
ويستمر الغزالي بكلامه عن الفلسفة " فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب، بمجرد المطالعة من غير استعانة بأستاذ، وأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التصنيف والتدريس في العلوم الشرعية، وأنا ممنو بالتدريس والإفادة لثلاثمائة نفس من الطلبة ببغداد. فأطلعني الله سبحانه وتعالى بمجرد المطالعة في هذه الأوقات المختلسة، على منتهى علومهم في أقل من سنتين، ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حتى اطَّلعت على ما فيه من خداع، وتلبيس وتحقيق وتخييل، واطلاعاً لم أشك فيه".ويستمر "فاسمع الآن حكايته، وحكاية حاصل علومهم، فإني رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً وهم - على كثرة أصنافهم - يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين، وبين الأواخر منهم والأوائل، تفاوت عظيم، في البعد عن الحق والقرب منه".
(الدهريون)
وهذا عنوان يضعه الغزالي في كتابه، يقول: "وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر، العالم القادر، وزعموا: أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه، وبلا صانع، ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبداً وهؤلاء هم الزنادقة".
والصنف الثاني: الطبيعيون
يقول الغزالي: "وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنبات، وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات. فرأوا فيها من عجائب صنع الله تعالى، وبدائع حكمته، مما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر حكيم، مطلع على غايات الأمور ومقاصدها، ولا يطالع التشريح، وعجائب منافع الأعضاء مطالع إلا ويحصل له هذا العلم الضروري بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان، لا سيما بنية الإنسان..! إلا أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم - لاعتدال المزاج - تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به، فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضاً، وأنها تبطل ببطلان مزاجه فينعدم، ثم إذا انعدم فلا يعقل إعادة المعدوم، كما زعموا، فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود فجحدوا الآخرة، وأنكروا الجنة والنار، والحشر والنشر، والقيامة، والحساب، فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا إنهماك الأنعام. وهؤلاء أيضاً زنادقة، لأن أصل الإيمان هو: الإيمان بالله واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله وصفاته".والصنف الثالث: الإلهيون
يقول الغزالي: "وهم المتأخرون منهم مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وأرسطاطاليس هو الذي رتب لهم المنطق، وهذَّب لهم العلوم، وحرر لهم ما لم يكن محرراً من قبل، وأنضج لهم ما كان فجاً من علومهم، وهم بجملتهم، ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية، والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم " وكفى الله المؤمنين القتال " بتقاتلهم. ثم رد أرسطاطليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبلهم من الإلهيين، رداً لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم، إلا أنه استبقى من رذاذ كفرهم، وبدعتهم، بقايا لم يوفق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميين. كابن سينا والفارابي وأمثالهما".ضلال الغزالي وكذب دعواهما يدل على ضلال الغزالي وكذبه امور:اولاً: قوله: "فأطلعني الله سبحانه وتعالى بمجرد المطالعة في هذه الأوقات المختلسة، على منتهى علومهم – أي الفلاسفة- في أقل من سنتين، ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حتى اطَّلعت على ما فيه من خداع، وتلبيس وتحقيق وتخييل". اقول: والمشتغلون بالفلسفة قطعوا اشواط طويلة من اعمارهم بدراسة الفلسفة، وقالوا انهم لازالوا في بداية الطريق، وظل امامهم الكثير.
ثانياً: قوله عن الفلاسفة: " فإني رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً وهم - على كثرة أصنافهم - يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد!. والغزالي يعي ما يقول بعبارته الاخيرة- الكفر والالحاد – باعتباره فقيها، وهي فتوى صريحة بقتل فلاسفة عصره من قبل الحكام الذين لا يتورعون بقتل الناس، وخصوصا من يشتغل بالفلسفة.
ثالثاً: الدهريون ايضا يرميهم الغزالي بالزندقة، ويقول انهم: جحدوا الصانع المدبر، العالم القادر، وزعموا: أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه، وبلا صانع.
رابعاً: والطبيعيون ايضا بنظر الغزالي كافرون ملحدون : " وهؤلاء أيضاً زنادقة، لأن أصل الإيمان هو: الإيمان بالله واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله وصفاته".
خامساً: الالهيون: وقد كفرهم الغزالي وكفر كل من يسير على نهجهم ويأخذ برأيه!.
والنتيجة: أن كتب الغزالي "المنقذ من الضلال" اضلاه من دون أن يعي، فقد ذكر الفارابي وابن سينا على وجه التحديد، وان هذين الرجلين، برأي غير الغزالي من علماء الامة هما مسلمين يدينان بالله وبرسوله اشد الايمان، وكانا يؤديان الفرائض على اتم وجه. وبالتالي فأن الغزالي قد اضل نفسه في كتابه هذا ولم ينقذها.
مقالات اخرى للكاتب