تأكد بما لايقبل الشك ، أنه ليس هناك مواطن عراقي غيور يعتز بانتمائه لتربة هذا الوطن، من يقبل أبدا الصراعات المذهبية البغيضة، والتي تنطلق من رؤى فئوية ضيقة، يرى فيها كل طرف بطله بأنه الأعز والأكرم ، غير عابئ بمخرجات هذا الصراع، وهو ما أجمع عليه دائما كل العراقيين ، برفضهم لمفهوم الطائفية، وتقسيم مكونات المجتمع وفق هذه النظرة ، فالتعايش والتآخي من سمات مجتمعنا ،وبأن المواطنة هي القاسم المشترك ،وأن الجميع يعيشون تحت سقف ومظلة الوطن. ومن المؤسف أنه نرى الان بدأت صفحة جديدة بعد الانتخابات ،وهو العودة للطائفية والمناطقية من خلال ائتلافات شيعية وسنية وكردية هذا يرفض ذاك وذاك يرفض هذا ، لتستمر عملية التخندق المقيتة ،التي قتلت كل شيء في البلاد حتى روح المواطنة.
والمجتمع العراقي كأي مجتمع ينشد الديمقراطية ، والسير على طريق الإصلاح، والبحث عن أفضل السبل نحو مستقبل يليق بتطلعاته ، ويخدم أجياله القادمة، ولكن أي ديمقراطية يمكن أن ننشدها ، ونحن نسير معصوبي الأعين وراء أبطال وهميين وفى ذات الوقت نتشدق بالديمقراطية والتي لا خلاف عليها مع أي طرف ، خصوصا بالنظر إليها كممارسة قبل أن تكون مجرد مفهوم أصم.
وهنا نتساءل : فمن يرفعون راية الديمقراطية ليل نهار، هل يمكنهم الرد على عديد من التساؤلات المثارة في هذا الصدد والتي من بينها: هل بإمكاننا أن نتبرأ من المذهبية والطائفية والاثنية ، وسيطرة الفكر الديني على ممارستنا؟ هل سنكون علمانيين أكثر من الغرب؟ هل سنتمكن من التخلص من الفكر الاقصائي؟ لكي نمضي على طريق الديمقراطية التي لا يمكن لها أن تجتمع مع الطرح الطائفي والانتماء المذهبي.
باختصار نعتقد أننا لسنا بحاجة إلى الديمقراطية ، بقدر ما نحتاج أولا إلى أن نثق بأنفسنا ، ونؤمن سنة وشيعة ،اسلام ومسيحيين ، عربا وكردا وتركمان ، وبقية الاقليات والمذاهب والطوائف ، بأن مصيرنا واحد على هذه الأرض، وأن الوحدة الوطنية هي الجامع للشعب العراقي ،وهي العلاج الناجع لأمراض الطائفية ،التي تصيب مجتمعنا وتعطل مسيرته وتدخله في صراعات ليس لها في تاريخه العريق سابقة.
فالمطلوب منا جميعا ، أن تكون قناعتنا بأن التحشيد ولغة الشارع لا يمكن أن تصل بنا إلى الهدف المشترك، وإنما يبقى الحل والخلاص في التحرك الجدي الواعي، وفي أن يحترم كل منا الآخر، ويؤمن أن هذا الوطن يتسع للجميع والابتعاد عن المفاهيم الدخيلة التي جاءتنا مع الاحتلال والتي فرقت بين ابناء المجتمع بل بين ابناء العشيرة الواحدة اذا لم تكن فرقت بين العائلة الواحدة.
مقالات اخرى للكاتب