قبل عدة ايام رأيتُ صديقاً ، لم اره منذ ايام الدراسة هو خريج علوم حياة ، رأيتهُ قد وضع ميزان قرب المحكمة وهو ينادي بأعلى صوته « وزِّن نفسك يا ولد ، وزِّن نفسك يا ولد « و سبحان الرازق الكريم فالله يهيئ الاسباب لذلك دائما هناك من يستجيب لصوته ويقف عنده ليزن نفسه ، في احايين كثيرة لا توجد عن صديقي فكه « خردة « فيتركوا له الباقي رحمة منهم ورأفة به ، و هو مع ذلك فرحُ بحياته ، اكيد العمل ليس عيبا فاليد البطالة نجسة ، لم يتبق لصديقي من علوم الحياة التي درسها في منتصف الثمانينيات الا علم الأوزان فهو مرتبط بصحة الانسان ، وقفت الى جنب صديقي ورحنا نستذكر معا احلام الشباب كم تنمينا وكم دفنا وكم وئدنا من احلامنا التي لم يتحقق منها شيء ، ربما لأننا نسير عكس التيار وغيرنا يسير معه ، يميل حيث ما مالت الريح .على مقربة من ميزان صديقي كانت العوائل تصطف عند عتبة محل مأذون شرعي هو صديقي ايضاً واسمه سيد السيد احمد ، اعرفه ايام الدراسة كان قد تركنا في المتوسطة بعد ان رسب سنتين متتاليتين والتحق لاداء خدمة العلم ، ورث السيد احمد عمامة ابيه ومكتبه الشرعي وورث معها كلمات حفظها عن ظاهر قلب « زوجت موكلتي لموكلي على صداق معلوم وقدره « كما حفظ عبارة ادمن ترديدها هذه الايام وهي « طلقت موكلتي من موكلي … أنت طالق «وقائع الطلاق التي رأيتها أكثر من حالات الزواج في بلدٍ يسير نحو الهاوية فالمعيشة ضنكا والناس تعاني من عقد نفسية وازدواجية في شخصيتها ، فلقد صارت الاماكن تتطلب ان نلبس لها جلباباً مختلفاً وان نتلون بلون المحيط ، مثل الحرباء تماماً ، وما نفكر به السر لا نتحدث به في العلن ، قيل قديماً لكل مقام مقال ولكل وقت آذان ، سمعتُ احدهم يتحدث عن سبب طلاقه « هي التكنلوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت زوجتي تراني الشيطان الوحيد في عالمٍ كله ملائكة « والاخر قال : « هي المعيشة التي جعلتني مجرد اله تعمل ليل نهار حتى آكل الدهر كل اعضائي واحاسيسي واتمنى ان افر هارباً وان اخلع ما علي من احمال كنت انوء بحملها « اما الاخر فكان صادقاً معي قالها بالحرف الواحد : « الأنترنيت قرّب البعيد وبعَّد القريب ، فزوجتي لم اعد اراها ، وعلى العكس من ذلك صرت اعيش مع حبيبتي القديمة التي صارت شغلي الشاغل وهمي الأكبر انقل لها كل جديد بحياتي حتى امتلأت حياتي وذاكرة موبايلي بصورها وصوري»، طال بيَّ المقام وطاب لي الجلوس عند صديقي وهو ينادي « وزِّن نفسك يا ولد ، وزِّن نفسك يا ولد « ورحت استكشف عالم صديقي القديم السيد احمد وعماته التي تشبه عمامة ابيه ايام زمان و ربما هي نفسها ، لست مبالغاً لو قلتُ انه تردد عند السيد احمد اكثر من عشرة ازواج خرجوا جميعاً من عنده وهم غرباء ليس لاصلاح ذات البين اي حل بينهما ، تغربوا وتفرقوا بكلمة واحدة من فم السيد احمد ، أنتِ طالق ، وبعد واقعة طلاق يضع السيد مئتان الف دينار بالتمام والكمال في جيب دشداشته الايمن ، و باسرع من اي الة حسابية حسبتها مليونا دينار عن كل عشر حالات طلاق اما الزواج فالله اعلم ، فقد قال لي صديقي _ ابو الميزان _ ان الطلاق صباحي والزواجي مسائي ، مليونين دينار هي دخل السيد احمد ووارده اليومي ، اللهم لا تجعلني من الحاسدين ، دخله يفوق دخل اكبر برلماني بالبلد ولا يضاهيه طبيب افنى عمره بالدراسة ولا حتى مهندس يضع فوق رأسه قبعة تقيه حر الشمس صيفا والبرد شتاءاً قال لي صديقي ، ابو الميزان- « افنيت عمري بطلب العلم لم اك اعلم بأن العلم لا يُكيَّل بالباتنجان على رأي عادل امام « الشمس توسطت السماء وارتفعت حرارة الجو حمل صديقي ميزانه وراح يعد دخله اليومي « خمسة الاف دينار بالتمام والكمال « بينما بقي سيد احمد في محله يداعب وجهه هواء دافئ يأتيه من «سبلت» قد وضع فتحته الباردة بقرب صديقي ابو الميزان .
مقالات اخرى للكاتب