النظام السياسي العراقي هو برلماني، ومهمة البرلمان في كل العالم التشريع والرقابة، فهو يشرع القوانين ومن حق الحكومة أن تضع مقترحات لقوانين ليقوم البرلمان بعد دراستها بتشريعها، القصد أن السلطة العليا بهكذا أنظمة هي البرلمان فقط لأنه يمثل الشعب.
والسؤال المهم ما الذي سبب الشلل للبرلمان العراقي فلم يقم بدوره؟
أستغرب أن الإعلام لم يضع جذر القضية في نوعية النظام تحت المجهر ليدخل في مركز الأمور وجوهرها الحقيقي بعيدا عن ضجيج التظاهرات ضد الرواتب التقاعدية. فمن المنطق أن تلك الرواتب ليست هي السبب وراء تعطيل العمل التشريعي والرقابي للبرلمان!
فقد البرلمان قدرته على التشريع بعد أن نقلت له المحكمة الاتحادية قرارات عجيبة، مثل قرارها بوجوب موافقة الحكومة على مقترحات القوانين قبل تشريعها في البرلمان، فقلب هذا القرار بالذات الصورة تماما، ليصبح العضو البرلماني موظفا لدى الحكومة ومحاسبا منها وعليه تنفيذ قرارات وإرادة الحكومة وهذا الغريب! فالمفروض أن الحكومة نفسها هي المحاسبة أمام البرلمان وليس هناك من سلطة تعلو البرلمان، لكن ما حصل أن الحكومة صعدت فوق جثة البرلمان.
تقصير البرلمان كان لأنه لم يتخذ موقفا ضد هذا القرار، وكان يستطيع فعل الكثير، لكنه لم يفعل لأن جميع الأحزاب في الحكومة! والمكاسب للجميع، حتى لو شلت روح الديمقراطية، لم نجد من يصرخ مثلا: إنكم تخترعون نظاما جديدا في العالم!
عملت الحكومة بدهاء عندما استغلت مظلومية الشعب ورفضه للرواتب التقاعدية للبرلمانيين لتعلن تأيدها لهذا المطلب الشعبي، ولو كانت الحكومة حقا تؤيد المطالب الشعبية لحسنت من الواقع الأمني والخدمي، لكنها استغلت ذلك المطلب لتغطي فسادها وعجزها التنفيذي لإمعان الضربة القاضية للبرلمان، وتأكيد تحويله لمؤسسة كارتونية هشة يضربها هذا وذاك بالأقدام، وضج الإعلام بالتظاهرات، وأتذكر مقولة لأحد قياديي تلك التظاهرات على التلفاز صرح فيها بأنه في خدمة الحكومة! وبدون قصد منه كان يغطي على حجم الفساد الإداري والمالي والمفخخات التي تزهق أرواح العراقيين والأيام الدموية المستمرة في العراق، وتلك كانت الأهم والأولى بالتظاهر.
إذن الشعب بمظلوميته من جهة وقلة وعيه من جهة أخرى كان مساهما ومسؤولا عن شلل تلك المؤسسة، لتصبح القضية الكبرى في العراق الرواتب البرلمانية التي أخذت حيزا أكبر مما تستحق، لأن تلك الرواتب يمكن أن تلغى بقانون، بكل سهولة، لكن من يعيد الصحة للبرلمان الكارتوني الهش بعد أن أصابه فيروس الشلل بقرار ساري المفعول من المحكمة الاتحادية!
وذلك القرار الذي يفرض على البرلمان الخضوع لإرادة الحكومة يجعل كل البرلمانات القادمة مشلولة لا جدوى منها! لنخلق نظاما سياسيا جديدا في العالم هو النظام الكارتوني، وندور بنفس الدائرة، فأي تغيير قادم حتى لو كان دون ولاية ثالثة، لن يحل المعضلة الرئيسة ما لم تحاسب المحكمة الاتحادية، مع بقية الهيئات المستقلة، لأنها هيئات تخضع للمساءلة من البرلمان وحده، والبرلمان وحده فقط، لكن أمر كل تلك الهيئات غريب بخضوعها التام للحكومة!
أتساءل هل هناك ملفات ما يتم بها الضغط على المحكمة الاتحادية بالذات؟! وإلا ما معنى أن دولة رئيس الوزراء المنتهية ولايته كان يصرح دائما بوجود ملفات كثيرة لديه ولم يخبرنا ما هي؟! أسئلة كثيرة سنجد أجوبتها في يوم من الأيام، كما وجدنا أماكن المقابر الجماعية، فلا شيء يبقى مخفيا ولو بعد حين!
مقالات اخرى للكاتب