حينما تنجح دولة معيّنة في معالجة مشاكلها الداخلية تصبح مثالاً للدول ألتي تعاني من مشاكل مماثلة كما هو الحال في نجاح تجربة المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا، وكذلك على صعيد معالجة المعضلات المزمنة بين الدول المتحاددة من خلال القوانين الدولية فيما يخص تثبيت الحدود أو إستغلال الثروات الطبيعية المشتركة تحت الأرض أو المياه.
في الأيام الفائتة، طفحَتْ على السطح مسألة بناء سد النهضة في أثيوبيا، وإستشاطَ غضباً النظام الإخواني المصري متوعداً بإستخدام كافة الحلول بما فيها الحل العسكري، مع العلم إنّ مشكلة تقاسم مياه حوض النيل بين دول المنبع و دول المَصَبْ هي قديمة ومنذ عدة سنوات، لكن جميع الأطراف كانت غير جادّة ولفترة طويلة في عقد إتفاقات دولية تحفظ لكل منها حصتها من المياه. إنّ ما يقوم به الإخوان المسلمون على خشبة المسرح السياسي المصري ما هو إلاّ مسرحية هزيلة مفضوحة الأهداف، إذ أنّهم فشلوا في إدارة الدولة المصرية، وآخِر مطبّاتهم هي «أخونة» الثقافة المصرية، فلم يبقَ أمامهم سوى إلهاء الشعب المصري و صرف أنظاره عن تخبط النظام الحاكم و عجزهِ في معالجة البطالة والتعليم والواقع الصحي المتدهور، و كان بالأمس الفصل الأخير من مسلسل نشاط الإخوان، حيث أنه حشّدَ الآلاف من رعاعهِ في ملعب القاهرة لغرض الذهاب إلى سوريا لدعم جبهة النصرة الإرهابية، و كأنّ الشعب السوري طلبَ النجدة من مرسي وحزبه.
علينا ألاّ ننسى دور إسرائيل في بناء السد الأثيوبي كما فعلَتْ سابقاً بدفع تركيا لبناء السدود على نهر الفرات، والآن يجري بناء سد –أليسو- على نهر دجلة و على قدم وساق، الذي من شأنه خلق التوترات بين العراق وتركيا، لأنّ أمنْ إسرائيل يتحقق من خلال إستمرار النزاعات فيما بين الدول الإقليمية، وقد وجدَتْ «إسرائيل» الفتيل الذي بهِ تستطيع إشعال النزاعات في المنطقة، ألا وهو المياه والسدود.
بألأمس أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، أنّ العراق يحتاج إلى (60 مليار متر مكعب) من المياه للقضاء على التصحر، في حين أنّ ما يدخل العراق من المياه، إذا لم تخنّي الذاكرة، هو (13 مليار متر مكعب)، وهذا بسبب تقليل تركيا لحصة العراق في مياه نهر الفرات إلى الثلث و حجز الثلثين في السدود المقامة!! ... لقد أصبح السلاح الإقتصادي الأكثر فاعلية في حل نزاعات الشعوب، والعراق يمتلك هذا السلاح مع جميع دول الطوق، و لا أعني بكلامي تأليب مشاعر العداء تجاه الدول المحيطة بالعراق، لكن سكوت الجانب العراقي عن المطالبة بحقوقه في المياه وعدم حسم هذا الملف مع تركيا وإيران عن طريق توقيع إتفاقيات تحفظ حقوق العراق المائية، وإتخاذه موقف الخنوع والمغلوب على أمره لا يُثير الدهشة، لكون المصالح التجارية لجميع الأحزاب السياسية المشاركة في السلطة مع إيران وتركيا (14مليار دولار مع تركيا، 6مليار دولار مع إيران) هي أهم من معالجة خطر قطع المياه عن العراق، إضافةً إلى أنّ تلك الأحزاب تعوّدت على إلهاء الشارع العراقي بقضايا هي أقل أهمية مثل تقاسم السلطات في مجالس المحافظات و تجنيد قوات الدفاع والداخلية والأمن والنقل لتأمين الزيارات المليونية على مدار السنة لأنها في نظرهم أهم المهمات الواجب إستمرارها، غير آبهين بما تتكبده الدولة من نفقات مادية وجهود بشرية في هذا المجال، و قريباً على الأبواب تجري التحضيرات للإنتخابات البرلمانية، وهكذا يجعلون المواطن يعيش في دوامة اليأس والإحباط.
مقالات اخرى للكاتب