لانريد ان ندخل في متاهات الفساد ولا اكاذيب المفسدين وما اكثرهم في العراق فظاهرة الفساد المالي آفة فتاكة وهي ظاهرة قديمة وجدت في كل الانظمة التي حكمت العراق الا ان هذه الظاهرة تفاقمت وباتت ملفته للنظر بعد دخول القوات الامريكية للعراق عام 2003 واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير مشروعة
وتكون واضحة في المؤسسات الحكومية وتظهر من خلال استغلال السلطة لأغراض خاصة سواء في تجارة الوظيفة او الابتزاز او المحاباة او اهدار المال العام او التلاعب فيه. . ومحاربة الفساد المالي ليست من مسؤولية الحكومة فحسب بل هي مسؤولية تشارك فيها كل قطاعات المجتمع .. وتبقى مسؤولية رئيس الوزراء حيدر العبادي هي المسؤولية الاكبر في معالجة هذا الملف الشائك الذي طالما اقلق رؤساء حكومات سابقة ومن بينهم رئيس الوزراء في عهد النظام الملكي نوري سعيد الذي كان يمتلك شخصية مهيبة كان عارفا وخبيرا باخلاق ونفسيات الساسة المحيطين به والمتسابقين الى اقتناص المناصب والثروات فيعالجهم ويمسك بخناقهم حتى يروض العاقين منهم فلا يشذ احد منهم عن خططه ونواياه واهدافه ومن يشذ عن ذلك يحيك له مؤامرة خلف الابواب المغلقة تليق به فيلوي يده ويضعه في مكانه الطبيعي فقد كان قاسيا لايرحم خصومه ومن الحكايات التي تدلل على قوة شخصية نوري سعيد ومتابعته الوزراء الذين في معيته يقال ان وشاية وصلت له ان وزير ماليته لديه فراش " عامل خدمة " يعمل لخدمته يمتلك دارين في بغداد فذهب نوري سعيد لزيارة وزارة المالية والتقى بالوزير وقال له " قدم استقالتك لمجلس الوزراء " فاستفسر الوزير من نوري سعيد عن الاسباب فقال له " اذا كان فراشك يمتلك دارين كم تمتلك انت " وحتما لم يكن ذلك الوزير مرشح من جهة سياسية او مسنود من كتلة يحتمي بها كلما اصابه ضيم .. اذن الفساد مرض وداء على كل الجهات محاربته واستئصاله
وهذا الملف المربك لادارة شؤون البلاد دفع برئيس الوزراء حيدر العبادي لتوقيع مذكرة تفاهم مع الامم المتحدة لاشراك محققين دوليين في معالجة ملفات الفساد الكبرى والتي جاءت متزامنة مع عمليات تحقيق يجريها القضاء وهيئة النزاهة بتهم فساد اثارها مؤخرا وزير الدفاع خالد العبيدي ضد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونواب ومسؤولين ورجال اعمال ..وقد اعادت هذه الاتهامات فتح ابواب نار جهنم بعد ان كانت مغلقة لتلسع نارها شخصيات سياسية اخرى خارجه عن نطاق الاتهامات التي حددها العبيدي ..وان اشراك المحققين الدولين في كشف ملفات الفساد هي خطوة متقدمة للحد من عمليات الفساد .. لكن السؤال المطروح .. هل سينجح هؤلاء الخبراء في كشف الفساد في ظل غربتهم عن البيئة العراقية وضخامة مافيات الفساد المتغلغلة في مؤسسات الدولة .. خاصة وان الفساد المستشري في البلاد يعتبر من اكثر الملفات الشائكة التي تعترض العملية السياسية والادارية في البلاد وهو ما اكدته تقارير منظمة الشفافية الدولية التي صنفت العراق ضمن الدول الاكثر فسادا في العالم حيث تشير تقارير المنظمة ان العراق يحتل المرتبة السادسة او السابعة في مستوى الفساد حيث تؤكد تقارير المنظمة ان موازنات العراق اكثر من 850 مليار دولار مابين الاعوام 2003 و 2015 ورغم ضخامة هذه الموازنات فان البلد غارق في البطالة ونقص الخدمات وتشير تقارير المنظمة ان تقديرات الفساد الشخصي يستهلك 3 بالمئة من مجموع ميزانية العراق عن طريق استغلال الموقع لتحقيق المنافع الخاصة مما يعني اختلاس ما لايقل عن 2 مليار دولار سنويا عن طريق الاحتيال والانتفاع من المناصب .. فهل سينجح الخبراء الدوليين في كشف المفسدين .. اشك في ذلك .
مقالات اخرى للكاتب