موصل هذه المدينة التاريخية ذات الموقع الجغرافي المتميز و الثروة الاقتصادية الهائلة و التنوع الطائفي و القومي و التعددية السياسية حيث يستظل بخيمتها العربي و الكوردي و التركماني و المسيحي و السني و الشيعي
و الكل يلعب دوره حسبما يشاء له و ان سجل الاحداث التاريخية تشير الى كثرة المواقف المرة في تاريخ الموصل ففي بداية تأسيس دولة العراق كانت ولاية الموصل احدى ابرز مشاكلها و بعد جهود حثيثة من قبل عصبة الامم تم التوصل الى نوع من الحل فكانت لتركيا (الدولة العثمانية) اطماع في ضمها و شهدت الموصل احداث في ظل الحكم الملكي و الجمهوري بين قتل القنصل البريطاني و المشاركة في الانقلابات العسكرية و خلال الحروب العراقية (الداخلية و الخارجية) كانت العمود الفقري لسلطات بغداد ....
نتيجة لأسباب عديدة سقطت هذه المدينة العريقة باثارها و تاريخها في الشهر السادس من عام (2014) بيد مايسمى بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وسط ترحيب البعض و نزوح الاغلبية الى اقليم كوردستان بعدما فتحت ابوابها لأحتضانهم و ايواءهم انطلاقاً من قيم الشعب الكوردستاني بالكرم و حسن الضيافة و قدمت لهم المأوى و الملبس و في المقابل فعلت داعش فعلتها بالقتل و التدمير و الترهيب و الاغتصاب و تدخلت في ادق تفاصيل حياة المواطنين و لطغت ايدي البعض منهم بجرائم داعش اللانسانية ...
و تمكنت داعش خلال الفترة المنصرمة من زرع بذرة الفرقة و الاختلاف و استعملت اهل المدينة ضد بعضها البعض و احدثت شرخاً في صفوف سكانها بالقتل و الاستيلاء على اموال و ممتلكات الاخرين بحجج الفرار و الخروج من المدينة و عدم المشاركة معهم او الانتقامات القديمة و استطاعت من مد جذورها .
تتعالى الاصوات (الداخلية و الاقليمية و الدولية) عن قرب ساعة الصفر لبدء عمليات تحرير الموصل وسط جدل و خلافات سياسية مختلفة وان الجميع يبحث عن دور له في هذه العمليات بشروط مسبقة و اهداف معلنة و اخرى سرية فامريكا ترغب من وراءها حماية مصالحها ببسط نفوذها و الاستفادة منها في انتخاباتها الرئاسية و ايران عن طريق اجنداتها من الحشد الشعبي و الحكومة العراقية و احزاب كوردستانية تريد تأمين السيطرة عليها و تركيا تحلم بأمجادها القديمة بأرجاعها و دخلت قواتها في معسكرات استقرت بالقرب منها تنتظر للحظة الحاسمة ناهيك عن الكورد الذين يرتبطون مشاركتهم بتوقيع اتفاقية سياسية بين الاطراف لرسم خارطة الطريق لما بعد التحرير والتلهف الى تثبيت حدودهم و المسيحي الذي يعمل من اجل منطقة آمنة او محافظة مستقلة و السنة عموماً و اهل الموصل يعتمدون على انفسهم و ويقفون بالضد من مشاركة الحشد الشعبي لتجربتهم المريرة معهم و الحكومة الاتحادية بقواتها من الجيش و الشرطة و قوات مكافحة الارهاب فهم اهل الدار و لهم القرار ... اذن وسط هذه الصراعات الخفية و العلنية للقوى المتصارعة التي تشد انيابها و تحضر سكاكينها لتفتك بالكعكة الموصلية و يبقى اهلها هم الضحية و كبش الفداء .
و ان النصيحة التي يمكن اسداءها الى (داعش) (اذا كانت لها اذان صاغية) هي الانسحاب من الموصل لعدم قدرتها على الصمود امام هذا الحشد الهائل من القوات المتجمعة و الاسلحة الفتاكة براً و جواً من جهة و من جهة اخرى أنها فعلت ماتريد و ارتكبت المجازر و جمعت الاموال الطائلة و انها دخلت الموصل دون مقاومة تذكر و انتصرت على القوات المرابطة فيها بهولها و ماكنتها الدعائية و بانسحابها ستسجل انتصاراً جديداً و تبقى هيبتها في الاذهان و لاتمنح الفرصة للمناهظين لها باخذ الثأئر منهم و يكون اقل ضرراً من الممكن الاسفادة من عناصرها في منطقة اخرى و تحقيق اهداف جديدة بعدما حققها في الموصل .
و لكن السبب الاهم لهذه النصيحة تأتي من الاعتقاد بأن المرحلة الصعبة هي مرحلة ما بعد التحرير لأن القوى المجتمعة حولها لايمكن ان تقف مكتوفة الايدي لايمانها بأهمية المدينة و ضرورة تأمين حصتها من الوليمة الطازجة و من اجلها فان ابواب كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها و المناخ الدولي من التغيرات المرتقبة اجواء مناسبة و بوادر التقسيم وولادة مناطق و محافظات جديدة من رحمها تلوح في الافق و شرخ المجتمع الموصلي يزداد يوماً ناهيك عن عمليات الثأر و الانتقام مع بعضهم البعض وبأختصار ستصبح ساحة لتصفية الحسابات لذا فان الاتي يكون اصعب و امر و لكن لله في خلقهه من التدابير ما لا يعلمه بني البشر .
مقالات اخرى للكاتب