أيام زمان وثق العراقيون في العديد من المنتجات الوطنية، برغم أن بعضها مجرد تجميع، لكن التلفزيون العراقي والعديد من المعدات الكهربائية والصوتية كانت مفضلة، ويتدافع العراقيون في مراكز البيع للحصول عليها، بل ويلجأون لوساطات المتنفذين لشرائها.
وربما يذكر البعض كيف ان منتجات شركة جلود، سواء الأحذية بالقوالب السويسرية او البوتات باللونين الأسود والبني مفضلة ومرغوبة لأناقة شكلها ونوعية مادتها الجلدية "الوطنية".
كما كانت هذه المعامل المنتجة، ضمنها معامل السمنت والأسمدة، قد تجاوزت مرحلة "الحبو" لتصبح مجدية اقتصادياً من حيث قدرتها على تحقيق الأرباح، لكن الحصار، والفساد الذي نشأ متلازماً مع الحروب الخاسرة وسياسات وكلاء الرأسمال الأجنبي، اودت بفرص ازدهار مؤسسات وطنية انتاجية، عدا انتاج الأسلحة، او بالأصح بعض انواع العتاد العسكري.
وحين تبنت الحكومة حالياً سياسة انهاض بعض المعامل والمؤسسات الانتاجية بدت ملامح إيجابية، بعض معالمها حماس المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي في الدعوة إلى شراء منتجات غذائية وغيرها عراقية الصنع.
وقد يكون الزحام على منافذ بيع جلود، حيث يتدافع المواطنون لشراء منتجها من الأحذية ظاهرة تؤكد ميل العراقي لشراء المنتج الوطني برغم وجود سلع اجنبية معروضة قد تكون اكثر جودة احياناً. لكن هذا التوجه لا يمكن رده إلى المشاعر الوطنية المجردة، بل هناك عوامل اخرى بجانبها من اهمها:
- معقولية سعر السلعة العراقية المعروضة، وهو ما يبدو ان "جلود" قد استوعبته، بحيث جعلت السعر يتخطى التنافس إلى حد الإغراء، على الأقل بالنسبة للشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود وصغار الموظفين ممن ليسوا بحاجة للتباهي بحذاء سعره 1500 دولار، إنما حذاء جيد محلي ايضاً.
- العنصر الثاني ان يتسم بالجودة والشكل المقبول مقارنة بالمنتجات الأجنبية المنافسة.
إن إدارة "جلود" كانت على مر الزمان قدوة في مجال الانتاج الوطني، و"رسم" سياسة انتاج نوعية تستحق الاحترام. وهي بذلك تعبر عن استيعابها لضرورة عدم الاتكال على استفرادها بالسوق، فمنذ عهد "مولانا" بريمر واسواقنا مفتوحة بما لا يفسح المجال لمنتج محلي رديء، إن كانت بعض المنتجات المستوردة رديئة لكنها تراهن على مغريات المظهر بالأقل.
وبقدر ما تسجل جلود القدرة على تدفئة قدم الانتاج الوطني المشلول على امل حركته بشكل افضل، يُسجل لعمال جلود وادارتهم، من مؤسسات قليلة، حمت نفسها من النهب والسلب.
مقالات اخرى للكاتب