تجنب البنك المركزي التصريحات المطولة ينسجم ومهامه بإيجاز “يؤشر” المشاكل والحلول “الإستراتيجية”، التي طالما سمعنا بها منذ اواخر الستينات، بعد “خنق” القطاع الخاص باسم “الأشتراكية العربية” التي هي في جوهرها رأسمالية الدولة المركزية، وخلق شريحة طبقية طفيلية جديدة من العسكرتاريا وبقية اجهزة القمع بيد الدولة غير الديمقراطية.
وكان محافظ البنك المركزي دقيقاً في الحلين الآني والبعيد المدى، لردم العجز بالأقتراض بجانب تقليص النفقات، والستراتيجي في الهيكلة وتنويع مصادر الدخل الوطني. وبدأ الحديث عن تنويع الموارد مع تفاقم استحواذ العوائد النفطية على موارد الدولة، بعد “الخنق” غير الأشتراكي وغير العادل للقطاع الخاص والأستثمارات الأجنبية والمصرفية بموجب ما سمي بقرارات تأميم 1964 الأشتراكية، التي هي نسخة مكررة وفاشلة من التجربة المصرية.
فبعد ان كان مجلس الإعمار ينفذ مشاريع زراعية وصناعية وتعليمية وثقافية من عوائد النفط، والحرص على عدم هدرها في غير العمل على تحقيق موارد مستدامة، جاءت السلطات العسكرية، بالأخص بعد 18 تشرين 1963 لتعمل على “تشغيل” المواطنين العاطلين والخريجين بدون احتساب دقيق لتضخم اجهزة الدولة، وبدون اهتمام حقيقي بزيادة معدلات الانتاج الزراعي والصناعي، واثقال مؤسسات القطاع الخاص المؤممة بالمزيد من الملاك غير الضروري ليثقل إدارياً وماليا على مؤسسات كانت تدر الأرباح فتحولت إلى خاسرة ومنتجات متدنية فاشلة لاتصمد أمام منافسة اية سلعة حتى أحذية الصين البلاستيكية أواسط الستينات.
حالياً تبين الأرقام المتداولة من البرلمان الاتحادي وجود 716 درجة وكيل وزارة ضمنهم 60 ضابطاً برتبة فريق لهم امتيازات الوكلاء واكثر، و4535 مديراً عاماً، وهو ترهل مخيف. والحديث عن الحل البعيد المدى لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة واقتصاداتها وفقاً لما يراه محافظ البنك المركزي، لايستدعي فقط تحديد الدرجات الوظيفية وعدم تحويلها إلى “ضمان اجتماعي” للمواطنين، أو “مكاسب خاصة” لكبار الأعوان والمؤيدين. فأيام زمان كان من الصعب الحصول على درجة وظيفية أعلى ما لم يحدث شاغر او يكون هناك مبرر انتاجي يغطي كلفها. لكن هذا وحده لن يكون كافياً بدون إعادة تشغيل حقيقي لعجلة انتاج القطاع الخاص، وتحري سبل سريعة مجدية لإعادة تأهيل العديد من المشاريع الإنتاجية المعطلة، بعضها كانت مشاريع قطاع خاص مؤممة أو وحدات انتاج مشهود لها بالقدرات بفعل “ضوابط “ وليس تسييد المحاباة.
إن ازمة اسعار النفط ومعدلات الإنتاج شهدناها أيام خلاف المرحوم عبدالكريم قاسم مع الشركات العالمية بشأن المناطق غير المستثمرة، وأيام “تاميم” السبعينات، وامكن التغلب عليهما، ويمكن التغلب على الحالة الراهنة، لكن المهم هو العمل على الحلول بعيدة المدى، كما يدعو السيد علي العلاق، توفر موارد مستدامة من قطاعات وطنية كامنة، وبعضها خنقته شعارات الأشتراكية العربية والتأميمات الفاشلة.
وينبغي الوعي بان تزايد تعداد القوات المسلحة مؤشر على خلل: في مجال العلاقات الوطنية والسلم الآهلي، والعلاقة بالجوار والعالم، بالتالي بداية كارثة اقتصادية اجتماعية تتضخم مثل كرة الثلج، ينبغي معالجة اسبابها بسرعة ايضاً.
مقالات اخرى للكاتب