أكتب هذه السطور، لا بسبب تغيّر في موقفي من السياسة العامة للبنك المركزي، التي طالما إنتقدتها وليس "النقد من أجل النقد" ، بل كان ولا يزال كما هو الموقف الذي يتّفق مع الكثير من آراء الزملاء الإقتصاديين في هذا المجال، وألإختلاف مع النهج العام للبنك المركزي مِنْ وجهة النظرالعلمية الإقتصادية لا يعني الوقوف بالضد من العاملين فيه، لأنَّ المعضلة تكمن في الإدارة الإقتصادية العامة للدولة والتي تشكّل سياسة البنك المركزي عمودها الفقري، لذلك ما يجري الآن من إجراءات ترقيعية من خلال توجيه التهم إلى أفراد، سوف لن يحل المشكلة، الحل الوحيد هو نسَف الأساس الخاطيء الذي قامت عليه إدارة إقتصاد البلد ووضع أساس سليم بهيكلية جديدة تتوافق مع الواقع العراقي. وحتى التقرير الأخير الذي قدَّمه محافظ البنك المركزي وكالةً – د.عبد الباسط تركي – لم يغيّر شيء من آرائنا تجاه السياسة النقدية للبنك المركزي، ألتي وضعَ أُسسها وقوانينها الحاكم المدني " برايمر"، وكأن تلك القوانين كتاب سماوي لايجوز تغييرها والمساس بها. لذلك كان الدكتور مظهر محمد صالح يلتزم بتنفيذ تلك القرارات ولايحق له التجاوز عليها أو تغييرها. إنّ إلغاء القانون النافذ الخاص بالبنك المركزي أو تعديله، هو من صلاحية السلطة التشريعية، فلماذا لا يقدم البرلمان العراقي على هذه الخطوة..!؟ الجواب واضح للعيان، هو أن تعديل ذلك القانون بما يخدم الإقتصاد الوطني وتحوّله من إقتصاد ريعي أحادي الجانب إلى إقتصاد إنتاجي متعدد الأنماط، لا يصب في مصلحة ممثلي مافيات التجارة الطفيلية القابعين تحت قبة البرلمان. لستُ قانونياً، ولكن أطرح التساؤل التالي – بما أنَّ البنك المركزي يرتبط بمجلس النواب، فلماذا لم يجرِ التصويت على المدراء العامّين العاملين في البنك المركزي؟ بَلْ جرى تعيينهم من قِبل مجلس الوزراء ولم يخضعوا إلى المصادقة البرلمانية كما هو حاصل مع أعضاء مفوضية الإنتخابات.
إنَّ العلم هو أقدَس حتى من الديانات السماوية، فإذا كانت تلك الديانات تخص طوائف معيّنة، فإنّ العطاء العلمي يَعُمْ البشرية جمعاء. ولكن للأسف الإعتبارات الأكاديمية والمنزلة العلمية المرموقة (ألتي هي بمثابة حصانة) لجميع رجالات العلم والثقافة مفقودة عندنا، ولا أعني هنا، أن تلك النخبة تمتلك الحق بالتعدي على القانون كما هو الحال مع البعض من أولئك الذين وضعوا قطعة قماش سوداء أو بيضاء أو خضراء على رؤوسهم وأصبحت الجموع تنحني لهم ركوعا، إنما يجب إعطاء مكانتهم التي يستحقون، لكونهم صفوة المجتمع وأساس تطوره.
إنّ إطلاق سراح الدكتور مظهر محمد صالح لايكفي، بَلْ يجب رد إعتبار سمعته العلمية وتعويضه عن الأضرار المعنوية والصحية التي لحقت به من جرّاء قرار قضائي غير عادل.
مقالات اخرى للكاتب