ليبيا دولة عربية مسلمة مترامية الاطراف ..ذات جغرافية متلونة من البحر الى الصحراء الى الجبال ,السهول ,وومثل تلونها الجغرافي تمتاز بتلونها السكاني أيضا, من العرب والامازيغ والطوارق..وكلهم تحت حاضنة القبيلة أو البيوتات الكبيرة ,وتمتاز بثرواتها وخيراتها من باطن الارض ومن فوقها ..من البحر والسهل.....والشعب العربي الليبي يعيش على مساحة واسعة جدا تكفيه وتكفي أجياله القادمة من دون ضنك أو جهد والامر مقرون بالايادي الخيرة التي تحكمه او تسوسه...وهو شعب كريم النفس , يجود بما يملك لضيفه ..على الرغم من المزاجية الشديدة عند كثير من الناس هناك الا انه في الاصل شعب معطاء ,يكرم الضيف ,ويجود عن مثله وقيمه ويضحي في سبيلها وما البطل عمر المختار الا واحد من هؤلاء الفرسان الاشاوس...الذين سطروا التاريخ وكتبوا أروع الملاحم فيه...هكذا هي سيرة الشعب العربي الليبي النبيل والكريم ,ومن تجربتي الشخصية معه...
ليبيا أو الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى , كما يحلو لقائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافي أنْ يطلق عليها من مبتكراته ومخيلته ما يشاء...لابد انْ يصادف المرء في زيارته لهذه البلاد ...أكثر من لافتة معلقة على الجدران وقد كَتبت ْبالعربية الفصحى إلا انها مبهمة المعاني !!!,من مثل ( زيد تحى زيد ),فالمرء يعتقد بأن الموضوع متعلق ب الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ وخبره الجملة الفعلية...الا ان حقيقة الامر تعني (الزيادة ) في تحديك للامريكان ثم زيد في التحدي لهم ؟؟؟ وكذلك قوله ( عصر الجماهير ) فبعضهم يراه من المعصرة وفراغ الجيوب...وبعضهم الاخر يفسره من عصر الجماهير أي الزمن الذهبي للجماهير...نعم الزمن الذهبي للجماهير العربية في ليبيا المترامية الاطراف والتي تربط اوربا بافريقيا والبحر بالصحراء والماضي بالمستقبل...عصرها حين يجد ويجتهد المواطن وهو يحلم في يوم تلفزيوني يخلو من اطلالة الاخ القائد ..وكأن صوره المتناثرة بين الشوارع والساحات والمدن لاتكفي...وكأن المواطن الليبي يخلو من الهموم ,التي تلبسه ثوبا من الهم مقاسه ضعف مقاس المواطن بعديد المرات...هكذا تبعثرت أيام الليبين في أكثر من أربعين عاما عاشها تحت قيادة اللجان في كل مكان والثورة المستمرة..والبنى التحتية بكل أنواعها تئن تحت وطأة الاهمال والفساد الاداري والمالي...وكأن المواطن خلق ليحمل ملفه في يده ويراجع دوائر الدولة ,التي تكتسي اللون الاخضر وترفع الشعارات الرنانة...ولم يخطر في فكر القيادة الليبية ولو لمرة واحدة ان تناقش الوضع الانساني للمواطن الليبي ومانتج عنه من خراب فكري ودمار اجتماعي ؛ لان ا لآمر والناهي هو واحد وكلامه في أقل تقدير ,يرقى الى مستوى النبؤة التي لاتحتمل التأويل...ومن هنا وتخلصا من كل التخرصات والخزعبلات الخضراوية ..تأسست لجنة تفسير خطابات الاخ القائد !!! وهي لجنة من مجموعة من الاساتذة ..تقوم بترقيع ما يمكن ترقيعه من أفلام الاخ القائد.....مرت السنون وطالت الايام والشعب العربي الليبي يعيش حصارا فكريا عقيما ويقطن سجنا كبيرا ولاحول ولاقوة له الا بالله...من بطش واستبداد القوى الامنية وأذرعها المنفذة لاجندات الحكومة الليبية ومنتفعيها من الخطوط الاولى والثانية وما الى ذلك....ولايمكن لسطر في هذا المكان المتواضع ان يلخص أحوال الشعب الليبي في اربعة عقود من الزمن ..هلك فيها الزرع وزراعه..... ومع ذلك كله كان كثير من العرب العاملين في ليبيا يؤمنون بان ليبيا هي الافضل للعيش مقارنة بدولهم التي قدموا منها والمقارنة الى حد ما صحيحة ...
وما ان انجلت غبرة الربيع العربي الدموي... وما ان صمتت ضوضاء المقاتلات الاوربية الاطلسية والامريكية في سماء الشعب العربي الليبي حتى رفرت راية الدولة الليبية الجديدة وهي راية الدولة القديمة في العصر الملكي السنوسي..و قبيل انهيار النظام الليبي بوصفه أول وأخر جماهيرية خضراء على سطح البسيطة..{ سُحِلَ سحلا ً } قائدها وأمام وسائل الاعلام المختلفة بطريقة مهينة ومذلة ...سبح في نهايتها بدمه من الرأسِ الى القدم دون محاكمة تاريخية أو حق الدفاع عن نفسه...والامر سيان فلقذافي نفسه لم يك بهذا المستوى من الانسانية ولم يمنح خصومه سوى حبال المشانق وعتمة السجون الابدية والاغتيالات في الخارج والداخل....
ولكن الشعب العربي الليبي الكريم ,الطيب الاصل والمنبت, مالبث أنْ تحول من النار الى جمرها المتقد..فقد غاصت المدن الليبية المتناثرة بين الساحل والصحراء..في عمق الرمال المتحركة الجديدة ,وصارت أسيرة الحركات السلفية المتطرفة , والتي حولت ليبيا الى معسكر آمن يستقطب كل الغزاة الجدد من شمال افريقيا ولاسيما مصر وتونس والجزائر ودول الصحراء الافريقية... وبسطوا هيمنتهم الكاملة على مساحات جغرافية مترامية الاطراف ..ساعدهم في ذلك سهولة الانتقال عبر الحدود وتوافر الحواضن الامنة والخواصر الضعيفه في لبيبا المالكية المذهب ,ذات الطابع الصوفي الرائع المحبة لال بيت النبوة الكرام....صاحبة أرقى الزوايا التي تعلم القران الكريم وأصول اللغة العربية... ليبيا صاحبة المولد النبوي الشريف واحياء ليالي القدر العظيمة, بمنظر قل جماله في البلدان العربية الاخرى.. .
أغمض الاتحاد الاوربي وكعادته عينيه عن الوضع في ليبيا ,ورسمت وسائل الاعلام الاوربي لوحة ضبابية عن المشهد السياسي الجديد في ليبيا ,وصار الرأي العام في أوربا يجهل ما يجري هناك تماما ..في الوقت الذي استشعرت الجزائر حقيقة الخطر المتنامي والمتصاعد من الاراضي الليبية وكذلك شعر بالامر نفسه كبار قادة الجيش المصري وجل مثقفين الشعب العربي المصري...فيما بقيت الحكومة التونسية أسيرة لمواقف متباينة تتسم بالخجل الشديد في كثير منها ,وتتناغم مع الداخل الليبي بشكل واضح وكبير...لكثير من الاسباب في مقدمتها التوجهات الدينية لكلا الطرفيين...
وبقي مصير المواطن الليبي ومنذ اكثر من خمسين عاما معلقا بين النار مرة وبين جمرها مرة أخرى, فهو يعيش مرحلة انتقالية ,ينعى فيها حاله وماضيه وحاضره ..مؤمنا بأن المليشيات هي الحل الاسؤ والذي لابديل عنه في الوقت الراهن لحفظ وأمن الانسان على مستوى المدينه والقبيلة..وليست بقية دول الربيع العربي الاحمر بافضل حال من لبيبا , ولكن الادوار متغيرة والمشاهد متعددة ولاغرابة في الموضوع ما دامت الامور بيد امراء النفظ والغاز ووعاظهم ممن يمتهنون التحريض من أجل احلال الدم والعرض والمال, وان كانت العاقبة تدمير امة بتاريخها وحاضرها..