ما ان اعلن في الاخبار عن ان حيدر العبادي، سيكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وما تلا ذلك من اعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، عن تراجعه من المطالبة في البقاء لولاية ثالثة، حتى شرعت معظم الكتل السياسية "الكبيرة" الى المباشرة بفرض شروطها، ففي حين طالب بعضها بحجز وزارات معينة، طالبت كتل اخر بالوزارات نفسها، او بوزارات غيرها.
وبعد ان تفاءل العراقيون، وكان الحديث يجري عن ترشيق الوزارات وتخفيض عددها من اكثر من ثلاثين وزارة، الى نحو عشرين بحسب ما اعلن، فان انتعاش سوق الوزارات الجديد ادى الى رفع السقف مرة اخرى فوصل العدد الى 24 وزارة وربما ترتفع اكثر في المقبل من الايام؛ اذا اصر السياسيون على نهجهم التناحري والالتفات الى مصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم، من دون مصالح الناس الذين ليسوا محتاجين الى صراع كريه آخر او ازمات جديدة.
ان الوضع المأزوم الذي يمر به العراق والكوارث التي تحيق بنا، ومنها ضياع نحو ثلث مساحة العراق؛ توجب على السياسيين ان يتجاوزوا على أخطاء الماضي، وهو ما برعوا في تشخيصه وادانته لفظياً، واخفقوا في معالجته فعلياً، اذ العبرة بالنتائج، فليأخذوا في الاقل درساً من دول العالم الديمقراطي التي تشكل وزاراتها بصمت بمجرد ظهور نتائج الانتخابات، فلم نسمع ان صراعاً حدث في المانيا او اليابان او فرنسا او اميركا او حتى اسرائيل على الحقائب الوزارية؛ اذ ان الحكومات تشكل من دون كثير من الكلام والعناء، فيواصل الوزراء الجدد على الفور اعمال الوزارات السابقة، في ادامة الخدمات وجهود خدمة الناس وهي امور يفلحون فيها بامتياز بل يتنافسون على تقديم الاحسن؛ فهل ان الصراع الجديد الاعلامي على الوزارات العراقية يعني ان وزراءنا المقبلين سيواصلون ايضاً اعمال الوزراء السابقين المتخم بالفساد والفشل وضياع الاموال والاراضي؟
انشأ سياسيو العراق منذ 2003 حكومات ووزارات محاصصة تقاسموا فيها الاموال والاقوال، ولم يحققوا أي شيء للبلد، بل اضروه اكثر مما نفعوه، كانوا جميعهم في الحكومة وجميعهم معارضون. وبإلقاء ضوء على المسار البياني للأداء الحكومي يتبين لنا التحول الدرامي في مواقف الوزراء والكتل في كل مرة تثار فيها ازمة جديدة؛ فيدعي من يدعي انه معارض او مستقل، ويطالب بالتغيير، في حين انه هو الحاكم و فشل في انجاز أي مرفق خدمي يتعلق بوزارته؛ ولا مجال لذكر الامثلة لأنها كثيرة ويعرفها الجميع.
نصيحة الى السياسيين الذين يزعمون انهم سيخلصون العراقيين من ازماتهم وينقذون البلد من كوارثه، اعملوا بصمت وشكلوا وزاراتكم بهدوء و من دون مزيد من الاثارات الاعلامية او البطولات الزائفة عن تمثيلكم للمكونات، فلم تحصد جماهير المكونات أي شيء من دعاواكم المتواصلة وظلوا يلوكون هزائمهم وحيفهم.
ان تشكيل الحكومة المقبلة في خضم زوابع اعلامية وسياسية، وفي ظل بحر متلاطم من الاحقاد المتبادلة، يولد حكومة عواصف ايضاً لن تحل شيئاً من مشكلاتنا وسنظل نندم على اليوم الذي ولدنا فيه في العراق.
مقالات اخرى للكاتب