( بعد خراب البصرة ) مثل شعبي عراقي قديم ، ويضرب للذي يقوم بعمل ولكن بعد فوات الأوان ، واصل المثل (حسب ما يقال ) يرجع الى عصر الخلافة العباسية عندما حصلت ثورة الزنج الذي كلف اخو الخليفة العباسي بالسيطرة عليها ، ولكن عوضا عن ذلك توجه أخو الخليفة للقضاء على ثورة حصلت في إيران ضد العباسيين تزامنت مع ثورة الزنج ، فترك حرب الزنج وتوجه إلى إيران ، مما ادى الى ان استفحل قائد الزنج ذلك فقويت شكيمته وزاد عدد جنده وتمكن من مهاجمة البصرة واقتحامها ، وحدثت مجزرة وحشية قتل فيها من أهل البصرة ما يقرب المليون شخص ، وسبيت النساء وأحرقت معظم أجزاء المدينة ، ثم عاد أخو الخليفة بعد أن تمكن من القضاء على الثورة ضد العباسيين في إيران ، عاد لمقاتلة صاحب الزنج ، وكانت المعركة اشد شراسة من الأولى ، ولكنه استطاع بفضل حكمته وصبره وشجاعته من تفتيت جيش خصمه شيئاً فشيئاً إلى أن تمكن من القضاء عليه وقتله ، ولكن الجمهور في بغداد لم يعجبهم هذا النصر الذي جاء متأخرا وأصبح يقول بعضهم لبعض :-انه نصر بعد خراب البصرة !
وشاهد كلامنا ، على ما يحدث في الشارع العراقي اليوم ، فبعد ميزانيات انفجارية وانفلاقية كبيرة ، لو جمعت دول العالم المجاورة المحيطة بالعراق لكانت مجموع ميزانيتها مجتمعه يساوي مجموع ميزانية العراق. ولطوال سنوات عدة ، مع وجود تعهدات بمساعدات ضخمه و اطفاء الديون وصندوق اموال لإعادة اعمار العراق ( يبلغ 100 مليار دولار ، حيث يصف المراقبون تبديدها على انها اكبر عملية فساد في تاريخ البشرية ) بعد عام 2003 الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لجعل العراق نموذجا يِحتِذى به في الديمقراطية .
قادة العراق الذين ضيعوا الفرصة باستغلال تحسن اسعار النفط و تجاوزها حاجز 100 $ ، والذي استغلته الكثير من الدول بإنعاش الفائض او بتحقيق فائض سيؤدي الى تمكنها من المطاولة في حالة تدهور اسعار النفط مره ثانية و لسنوات طويلة .
وكذلك انشاء مشاريع ضخمة تعول عليها في حالة وجود قصور في اسعار النفط و عدم تحقيقه الواردات المطلوبة منه.
ورغم مرور 11 سنة منذ احتلال بغداد حتى يومنا هذا ، والآمال والاحلام الوردية التي رسمتها للعراق الولايات المتحدة الأمريكية ، بتخليصه من النظام السابق ، وزرع نظام ديمقراطي تعددي يشمل الجميع .
المشكلة هنا تكمن ان العراق حتى هذه الفترة و في جميع مدنه لم تتحسن فيه الاحوال ، حتى ان الخدمات و واقعها يتردى يوماً بعد يوم ، والمشكلة ايضا ان نفس هذه الوجوه السياسية و القيادية هي نفسها تدير العملية من 2003 وحتى الان ، مما يطرح سؤال في نفسية السامع او القارئ ، اين كان الشعب العراقي بعد كل هذه الفترة (11 سنة) ؟! وهي فترة طويلة جدا في عمر الشعوب وتحقيق الانجازات .
وكل هذه الصورة القاتمة لوضع الشعب العراقي عامة من فقر و امية و امراض ، هناك صورة قاتمه لوضع البلد الامني و المخاطر التي تحيط به ، فخارج بغداد ( لا يبعد كثيرا عنها ) .
يكمن عدو شرس لا يقل شراسة عن اي عدو اخر للعراق اذا لم يكن ادهى وامر ، ومحافظات بالكامل ساقطة بيده .
فقبل التدهور الامني كانت هناك ايضا تظاهرات في محافظات “”سنية”” ( ديالى ، الانبار ، صلاح الدين ، كركوك ، نينوى ، وحتى في بعض مناطق بغداد ) استمرت لفترة طويلة جدا ، قبل ان تنقلب الى اعمال عسكرية ثم دخول الارهاب الى المناطق المتوترة .
تتزامن معها ، اطروحات لقيادات دولية حول صورة للعراق تختلف عما كان عليه سابقا .
ان مشروع تقسيم العراق ليس مشروعا جديدا ، فالتخطيط لتدمير دول المنطقة و تفتيتها موضوع منذ عام (1973).
لقد ادى الحال و ترديه بالعراقيين الى وضع لا يحسدون علية ، ان القبول بالسكوت على الوضع والعملية برمتها اصبح امر معيب جدا .
ومن ناحية اخرى ، ان اي وعد بالإصلاح او الحلول صعب جدا ، بسبب اشكالية المشهد السياسي و البناء الذي بني عليه.
ان الدولة العراقية تمر بوضع خطير جدا و صعب للغاية ، سواء كان الوضع الاقتصادي ام العسكري ام حتى الاجتماعي والامني ، باتت فيه عاجزة عن كل انواع الحلول .
وهناك مخاوف ايضا ان تكون هناك في الخفاء من يحاول استغلال الوضع في انزلاق خطير للشارع نحو التردي .
ان تفكك الدولة او تمزقها ليس بأمر غريب ولا صعب الحدوث في دولة هشة الترابط والبناء.
حيث لا يستوجب الاقتتال في الشارع غير شائعة بسيطة وعدد من الاشخاص الذين يحملون الاسلحة يندسون بين الطرفين فلنعد اذن الى اصل كل شيء (اين كان الشهب العراقي منذ عام 2003 وحتى الان؟!) هل كان مغيب ؟! ومن مسؤول عن ذلك .
مقالات اخرى للكاتب