أتذكر حواراً تلفزيونياً جرى مع كابتن منتخب إنگلترا الفائز بكأس العالم سنة 1966 بوبي مور، وأنا صبي صغير، لكن ذلك الحوار لم يبارح خيالي مطلقاً.. وقد سئل الكابتن مور وقتها عن سبب بقائه في نادي (ويست هام) لأكثر من عشرين عاماً، ولم يغادره حتى إعتزاله، في الوقت الذي تتنافس على ضمه أكبر الأندية الكروية في العالم، فضحك مور وقال:
-لم أغير بيتي الصغير الذي ولدت وترعرعت فيه منذ أن كنت فقيراً، ولم أبارحه حتى وأنا قائد لمنتخب إنگلترا ثم أنال جائزة أحسن لاعب في إنكلترا، بل حتى وأنا أصبح غنياً، أملك الشركات التجارية الفخمة.
ونفس الشيء يمكن قوله عن النادي، فقد بدأت مع ويستهام منذ ان كان عمري ستة عشرعاماً، وها أنا أعتزل فيه بعد أن خط الشيب مفرقي، لم أغادره مطلقاً، فالوفاء للبيت والنادي له معنى واحد عندي .
ولما سأله المذيع عن النادي الذي تمنى أن يلعب له، أجاب مور بلا تردد: نادي مانچستر يونايتد!!
وحين قال له المذيع: ولماذا ما نچستر يونايتد؟
فضحك مور، وقال: إنه مانچستر يونايتد يارجل !!
تذكرت اليوم هذا الحوار الغني بالدروس والعبر، رغم مرور أكثر من اربعين عاماً.. ورغم الظروف الأمنية والعسكرية الصعبة التي تعيشها بلادنا، والتي تتطلب مني ان أخصص مقالتي اليوم لها وليس لغيرها.. لكنني – شخصياً – لا أفرِّق بين الفرقة العسكرية، والفرقة الرياضية، أو الفرقة المسرحية، أو الفرقة الموسيقية، فهذه الفرق حين تقوم بأعمال مهمة، وتحقق نجاحاً طيباً، فهي كلها تخدم قضية الوطن، وترفع رأس البلاد..ولما تحقق (الفرقة الذهبية) نصراً عظيماً في معارك بيجي مثلاً، فإن نصرها لايختلف عن النصر الذي ستحققه الفرق الرياضية، وقد رأيتم كيف خرج العراقيون عن بكرة أبيهم فرحين حين أنتصر منتخبنا على منتخب السعودية في بطولة كأس آسيا ..
نعم، لقد تذكرت (دروس) بوبي مور، وأنا أرى وفاء فلاح حسن لنادي الزوراء، وأرى حيرته، ووجعه الثقيل على ما يعانيه ناديه الحبيب.. نادي الزوراء (العظيم)، الذي يعيش اليوم ظروفاً قاهرة.. ظروفاً لا يمكن لأي مسؤول في الدولة العراقية، يملك ذرة من الوطنية، والغيرة العراقية أن يصمت أمامها.. ولا يمكن لأي صحفي عراقي شريف أن يلوذ بالصمت إزاء مشهد إنهيار الزوراء مادياً، دون أن يشهر سيفه بوجه الظلم الذي يتعرض له هذا النادي.. وإلاَّ لماذا نعشق أبا ذر الغفاري، ونموت في حب علي، والحسين؟
فنادي الزوراء سادتي، هو نادي كل العراقيين .. ولهذا النادي فضل عظيم على الكرة العراقية، فهو الذي رفع شأنها، وطوَّر مستواها، ورفد منتخباتها بأروع اللاعبين الأفذاذ.. وهو الذي خلق اللعب السهل الممتنع في الكرة العراقية، أي اللعب بما يشبه لعب نادي برشلونة اليوم، بعد أن كانت الكرة العراقية - شوت، وعليك ياعلي- !!
والزوراء بلاعبيه الكبار، وإدارته النجيبة، وجمهوره المهذب الملتزم الطيب، وبإنجازاته الخالدة، تمكن من زرع إسمه في قلوب العراقيين. لذلك تروني اليوم مندهشاً حين أرى الحكومة العراقية واقفة كالتمثال لا تهش ولا تنش، وهي ترى رمزاً من رموز العراق ينهار، رمزاً مثل رمزية أسد بابل، والملوية، والجنائن المعلقة، ونصب الحرية، وقامة الجواهري، وثورة العشرين، وغير ذلك من مفاخر العراق. وسيكون الإستغراب أشد حين نعرف أن شخصاً مثل باقر الزبيدي، وزير النقل، وهو المسؤول الرسمي عن تمويل نادي الزوراء، يعتذر عن دعم هذا النادي بأعذار غير مقنعة بتاتاً، خاصة وأن الزبيدي شخص معروف بدعم هكذا أنشطة وطنية، أنشطة يعتبر دعمها إنجازاً وطنياً وشعبياً، قبل أن يكون دعماً رياضياً..
سأكتفي بتوجيه النداء لوزير النقل ، بإعتباره الحاضنة الحكومية لنادي الزوراء، وسأتجاوز سلمان الجميلي، وزير التخطيط، الذي يرفض إدخال نادي الزوراء في موازنة الدولة، لأن نادي الزوراء (ما يعجب الجميلي)، بإعتبار أن سلمان الجميلي يفتهم بالطوبة كلش - وقد كان لاعباً فذاً في نادي (الحصوة) في الفلوجة .. كما لا أتوجه بالنداء الى السيدة طيف سامي محمد مديرة عام دائرة الموازنة في
وزارة المالية.. التي هي الأخرى لا تعترف بنادي الزوراء، ولا تقبل منحه الإستحقاق المالي مثل الأندية الرياضية الأخرى، لأنها متأثرة بفنون نادي (لبن أربيل)تماماً مثل تأثر عمها الوزير الرياضي جداً : هوشيار زيباري (بطل البُطل ونص)..
سأتوجه الى باقر الزبيدي، وأقول له ما قاله بوبي مور قبل اربعين عاماً: (إنه مانچستر يونايتد يارجل)!!
وأقول له: إنه نادي الزوراء يا رجل!!
فاتق الله يا معالي الوزير، وقم بواجبك الوطني والوظيفي، والشرعي، ولاتسويني عصبي، تره من أتعصب، أگوم ألعب طوبة.. بس ألعب بنادي (فلاي بغداد)، وليس في نادي الخطوط الجوية العراقية..
والحليم يفتهم!!
مقالات اخرى للكاتب