لا يمكن لعراقة الأحزاب وأصالتها أن تكون شفيعاً لها اذا ما فشلت في مهمتها السياسية ،او فشلت في تجديد نفسها للتلائم مع ما يستجد من قضايا ، العراقة والقدم والنضال شيء والحكم والممارسة السياسية شيء آخر ، العراقة لا تعني القداسة والعصمة من الخطأ ، ولا تعني طبعاً انها صاحبة الحق الحصري في مسك مقاليد الأمور ، ايضاً لا يمكننا اعتبار كثرة الشهداء والضحايا سببا مقنعاً يقودها الى السلطة او الإستمرار فيها، الشيء الوحيد القادر على ذلك هو نجاحها في مهمتها المؤسسية الجديدة وقدرتها على قيادة البلاد . ولا يمكننا طبعاً إنكار أدوارها النضالية وتضحياتها التي قدمتها ككيانات او كأفراد وتستحق منا الشكر والعرفان ، لكن بشرط ان يقترن فعلها الحاضر بأفعالها السابقة ، الغريب ان لا شيء يدل على ذلك ، مما يدعونا لقراءة ماضيها من جديد سيما بعد زوال المؤثر الذي كان يجبرنا لتلميع اخطائها وخطاياها ، واقصد انهيار النظام الفاشي .
لا يمكن ان نكافئ تلك الحركات لمجرد نضالها العتيد بالسكوت عن اخطائها ومجاملتها على هفواتها وتخبطها .
ان اللعبة الديمقراطية "الجديدة" على بلادنا و التي يفترض انها ستفرز نخباً قادرة على النهوض ببلاد محطمة ومستهدفة ستضمن لنا ان نرمي الفاشلين في اقرب سلة نفايات.
حتى اللحظة ؛ لم تنجح تلك الأحزاب العريقة والتاريخية في شي، ولم تكيف نفسها مع الوضع الجديد بصورة كاملة ولم تفصح عن ما تريد بشكل علني ، ولم تستطع ان تحدث قيادتاها عبر زج دماء جديدة في عروقها الحزبية واعتماد برنامج وطني حقيقي ومدروس لا يتعكز على امجاد الماضي ولا يستغل مشاعر البسطاء للوصول الى السلطة .
ان التخبط الذي تعيشه تلك الأحزاب سيقضي بالنتجية على كل ذلك الماضي "الجميل" ، و اذا ما استمرت على ماهي عليها اليوم فإنها تمشي برجليها الى الهاوية .
لقد استثمرت تلك الأحزاب والحركات المخزون الطائفي المتراكم واستفزته وجعلت منه مادتها الأساس ، فلا شيء يضمن لها الإستمرار غير ذلك ، فهي لا تستطيع ان تقدم منجزاً يقنع الناخب لإختيارها .
استعمال الدين وخلفياته الطائفية لم يكن مشروعاً ينتصر "للمظلومين" ، فالمظلومون مازالوا يسكنون في العراء وتفيض مدنهم ومنازلهم بزخة مطر ، ويموتون بجحيم السيارات المفخخة فيما تتحصن تلك الحركات في مناطق مخدومة بشكل جيد وتستنزف أموالاً بمليارات الدولارات في شبكة علاقات ومصالح ومقاولات تجاوزت رائحتها النتنة حدود الوطن !