من بين الكتب المثيرة التي صدرت في الأعوام الأخيرة كتاب لعالم الاجتماع الدكتور علي الوردي، هو عبارة عن رسالته للماجستير قدمت عام 1948 لجامعة تكساس.. تناول فيها قضية الخلاف السني الشيعي الذي اعتبره قد ضرب الإسلام بعد وفاة الرسول. والواقع أن الكتاب تضمن رؤى مختلفة لما هو متداول بشأن القضايا التي طرحها: الخلاف السني الشيعي، قضية الخلافة، طبيعة الإسلام، الصراع داخل الإسلام وأصوله، صراع الظالم والمظلوم، علي ومعصرة الإسلام. وهذه الرؤى في اعتقادي جديرة بالتأمل. و ينطلق الوردي من نقطة معينة وينطلق منها لتشخيص هذا الخلاف القديم، وهي بأن أبناء السنة ينهجون منهجا واقعيا في التعاطي مع مجريات الحياة، أما الشيعة ففيهم نزعة واضحة للمثالية. وبالتالي هو يرى أن الاختلاف بين أهل السنة وأهل الشيعة هو اختلاف بين الواقعية والمثالية. وسبب توجه السنة -برأيه- إلى الواقعية كونهم كانوا معظمهم من البادية ومن نفس مذهب الحكام مما جعلهم من الطبقة المرفهة نسبيًا، أما الشيعة ولسبب تمركزهم في المناطق الزراعية وتعرضهم للاضطهاد جعل من المثالية بمثابة العزاء لحالهم. فهو يؤكد إن لا وجود لأي اختلاف بين السنة والشيعة فيما يتعلق بقضايا الدين الجوهرية. لقد مر كل من المذهبين بأطوار التطور نفسها، والتفاعل الاجتماعي نفسه، لذلك فهما يتشابهان في كثير من خصائصهما الأساسية. ويشير الوردي إلى أن الإسلام وفق الرؤية السنية - إن صح التعبير – هو مشروع سياسي مقدس فتح باسم الله أكثر بقاع العالم خلال العصور الوسطى وجلب للعالم النظام والمعرفة والدين، من جهة أخرى، يرى الشيعة أن فتوحات الإسلام ليست مهمة، فهم لا يقرون كما يفعل السنة لهؤلاء الخلفاء والقادة العسكريين ما بنوه من إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف، إنهم يؤكدون على الطريقة التي عامل بها الفاتحون رعاياهم ودرجة إخلاصهم لدين الله. ويشير العلامة الوردي في كتابه الذي حمل عنوان (دراسة في سيوسيولوجيا الإسلام)، أن النزاع بين السنة والشيعة ظهر مباشرة بعد وفاة الرسول، ويجب العودة إلى التاريخ المبكر للإسلام من أجل أن نفهم أصل الخلاف بين هذين الفرعين الرئيسين في الإسلام؛ ويعتقد الوردي أن كلاً من الطرفين على صواب وعلى خطأ في الوقت نفسه، وكل منهما يُمثل وجهاً معيناً من أوجه الحقيقة. ويوضح الوردي لم تناقش قضية جمع السلطتين الدينية والسياسية عندما كان الرسول على قيد الحياة؛ لكن فور الإعلان عن وفاته طرح السؤال التالي: من الذي سيخلف النبي في الزعامة الدينية ورئاسة الدولة الإسلامية، ويرى الدكتور علي الوردي أن أهل السنة يرون أن تسمية الخليفة تخضع لعملية الاختيار عن طريق الانتخاب الشعبي؛ أما الشيعة فيعتقدون انه من الأفضل أن يتحدد اسم الخليفة عبر الوحي كما هو الحال مع الرسول. ووفقا لهذه الرؤية فالوردي يشدد أن الاختلاف في الميول الذي يميز الشيعة عن السنة هي قضية تاريخية، أي أنها تنتمي إلى الماضي، وفي واقع الحال أن التشابه بين السنة والشيعة أكثر من الاختلافات.
مقالات اخرى للكاتب