يحتدم الصراع وتكثر النقاشات في الحلقات الحزبية، ويختلط الأمر بين (قلة الوعي) قد يؤدي الى طروحات ومواقف لا ترضي الحزب الشيوعي وهو يريد ان يمارس وصايته الكاملة على أعضائه المنظمين في المنظمات والهيئات الحزبية، وبين (المصالح الطبقية) التي هي الاخرى تدفع البعض لتبني مبادئ ومواقف قد تثير حفيظة الحزب تجاه هذا الرفيق او ذاك.
من ضمن تلك المسائل التي تثير النقاش والتساؤل هي عدم قدرتي على فهم معاداة الشيوعيين العراقيين للشيوعية في الصين، هل لأن بين الاتحاد السوفيتي والصين خصومه تستوجب على جميع الشيوعيين في العالم ان يصطفوا مع الاتحاد السوفيتي ضد الصين، وما هي الجريمة التي اقترفها الحزب الشيوعي الصيني ليتهم بالتحريفية ولكي تكون الماوية (شتيمة) داخل التنظيمات الشيوعية، سألت مسؤولي الحزبي، ماذا فعلت الصين للحزب الشيوعي العراقي حتى تصبح معادية؟ اليس هم ايضا شيوعيين بألاسم والافكار؟ وهل ان الحزب الشيوعي العراقي تابع بشكل كامل الى الحزب الشيوعي السوفيتي ولا يملك رؤية خاصة به للقضايا الدولية وتقييم للاحزاب والحركات الثورية او ان الايعاز يأتي من موسكو تتلقفه قيادة الحزب في العراق وتعممه على اعضائها واصدقائها ومؤيديها ،وتبدأ الصحافة الحزبية بكتابة المقالات والدراسات لتحليل مساؤى الحركة الماوية على الشيوعية؟ لم يقل لي مسؤولي كما يقول رجل دين حينما يسأله حائر عن بعض المشاكل الشرعية (لا تسأل ولا تناقش فتقع بالكفر) بل ان مسؤولي احتض بيده كتفي وبدأ يشرح لي بأسهاب (ان ماو يقول بأن الطبقة الثورية هي الفلاحين وليس العمال) والصين (تتعامل تجاريا مع امريكا والدول الرأسمالية ولا تتعامل مع الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية) وبعض (طروحات ماو الفكرية تتعارض مع الماركسية اللينينية) طيب قلت مع نفسي (لأنني كنت بحاجة الى وعي كامل حتى استطيع الرد على مسؤولي الحزبي والذي لا يمكن أقناعه في ذلك الوقت الا بما يقوله السوفيت وقيادة الحزب الشيوعي في العراق) لذلك لم اناقشه بما قال وايدت مقتنعا (ظاهريا) بما ساقه لي من حجج كان يظن بأنها كافية لأقناع برجوازي صغير لا زال (طالب داخل شرنقة الحزب) ارجع الى ما قلته مع نفسي لأقوله اليكم (وماذا في ذلك ، الصين بلد زراعي وليس لديه مصانع ومعامل لتكون لديه طبقة عاملة ثورية، الحزب الشيوعي الصين بقيادة ماو ماذا يفعل هل ينتظر الى ان يتم بناء المصانع ويكون لدى الشعب الصيني عمال ومن ثم يكونوا هؤلاء العمال ثوريون وشيوعيون لتحدث الثورة تكون القيامة قد قامت! أذن ماو قام بتكيف الماركسية وجعلها صالحة للشعب الصيني المتكون من الفلاحين المضطهدين من قبل الاقطاع واصحاب الاراضي ويمكن تسمية هذه النظرية (بالنظرية الماركسية الماوية) وهو لا يختلف عما فعله لينين الذي لن يلتزم بتعاليم ماركس حينما قاد ثورة اكتوبر في اكثر دول اوربا تخلفا روسيا بينما كان يتوقع ماركس ان تكون الثورة في انكلترا والمانيا وان لا تحدث في بلد واحد بل في كل الدول الرأسمالية المتطورة،فلماذ نقبل بمخالفة لينين للماركسية ونعيب على مخالفة ماو للماركسية ،ومن هنا كان هناك تعاطف وجاذبية للتجربة الصينية في بعض الدول العربية ومن ضمنها العراق، لتشابه الظروف فالعراق ايضا بلد زراعي وليس صناعي، ويمكن الاعتماد على طبقة الفلاحين كقاعدة ثورية ضد الاستغلال والظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية الاشتراكية ، لكن الحزب الشيوعي العراقي ومنذ ستينات القرن الماضي كان يثقف ضد الصين ، وحينما كانت في قيادة الحزب مثل بهاء الدين نوري وكتلة الاربعة لها ميول نحو ماو اصطدموا بصلابة سلام عادل وخضوعه التام للسوفيت وتعاليمهم ، وطلب من تلك القيادات ممارسة النقد الذاتي على انفسهم في الداخل والخارج لمواقفهم وتأثيراتهم على القواعد الحزبية بهذا الاتجاه !نأتي الى المثلبة الثانية وهي تعامل الصين تجاريا مع امريكا ، للصين خصوصية معينة فأقتصاديا لا يمكن للصين ان تنهض في ظل الحصار والمقاطعة ، سكان الصين بعددها الكبير لا بد لها من ايجاد اسواق لتصريف ما تنتجه من بضائع وسلع وخدمات لا يمكن للاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية التي كانت تعتمد على المساعدات السوفيتية ان تقدم المساعدة المالية المطلوبة للشعب الصيني ،وغير ذلك فمواقف الصين في المحافل الدولية كانت متطابقة مع السوفيت ودول اوربا الشرقية والدول التقدمية المعادية لأمريكا من العالم الثالث! فالصين قد اثرت كثيرا على دول شرق اسيا وكذلك الى حد ما على كوريا الشمالية،واذا كان يعيب الشيوعيون على نموذج (العبادة الشخصية) التي اتهم فيها الصين وكوريا الشمالية فأن العبادة الشخصية والرموز السياسية الحزبية في باقي الدول الشيوعية موجودة وبقوة، كما ان للصين والحزب الشيوعي الصيني كان له موقف مشرف من جميع حركات التحرر ضد الاستعمار والاحتلال وهو البلد الذي يرفض تسليح الحكومات الدكتاتورية التي فيها الاحزاب الشيوعية مضطهدة على العكس السوفيت الذين كانوا من اجل مصالحهم الاقتصادية ومناطق نفوذهم الدولية يعقد معاهدات الصداقة مع حكومات يطلق عليها بالحكومات الوطنية ويغض النظر عن الاعدامات التي تنفذها ضد الشيوعيين وامتلاء سجونهم بالمناضلين ! كما حدث في العلاقات العراقية السوفيتية في سبعينات القرن الماضي. وتمضي السنوات وتنهار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والدول التي تدور في فلكه بينما تبقى الصين شيوعية ،تتكيف مع التطورات واصبحت دولة عظمى فيها معدلات النمو مرتفعة ولا تعاني من الجوع والفقر، منتجاتها تغزو العالم ،ومواقفها في المحافل الدولية لا زالت ضد امريكا والدول الرأسمالية ،هل الصين كانت على حق والسوفيت وباقي الاحزاب الشيوعية في العالم كانوا على خطأ؟ ولو كانت الصين تملك امكانيات السوفيت في تقديم المساعدات الدعم للدول الشيوعية والاحزاب والحركات الوطنية لكانت هي الدولة التي تمثل الشيوعية وليس الاتحاد السوفيتي.
مقالات اخرى للكاتب