دون وعيّ او شعور طلبت من السائق ان يوقف السيارة التي كنت استقلها وزميلٌ كان يرافقني في رحلتي, التي لم اكن اعرف اين تنتهي سوى اني قريب من بغداد ، انزلته معي بعد ان ناديت على السائق بالتوقف وترجلنا من السيارة , فصاح بي السائق باستغراب : اين تذهبا ؟ هذا المكان خطير جداً على الغرباء , فرمقته بنظرة فيها ابتسامة الرجل الواثق من سعادته في السير بهذا الطريق , ثم اجبته : هذا المكان جزء من ربوع وطني وفضائي الذي استنشق فيه عبق الحرية , واكملت مسيري وصديقي معي دون الاكتراث للتحذيرات, فقد كان شيئا ما يشدني للسير دون شعور . جميلة هي المساحات الخضراء الشاسعة الممتدةً على جانبي الطريق المعبد , وكانت تلوح في الافق معالم الدور المتناثرة في المكان , قررت أن أتوغل في العمق وزميلي الذي كان خائفاً ، عبرنا العديد من القناطر وسرنا وسط الأراضي الخضراء , كنا نمر بمحاذاة الدور الريفية المتناثرة هنا وهناك نرى الاطفال تلعب والنساء تعمل في الحقول وترعى الماشية ، نفسي مطمئنة و ثقتي عالية باننا بأمان , لكن فكرة تعرضنا لخطرٍ كانت واردة في حديث صديقي . كنا نحث الخطى في المسير لان الطبيعة الجميلة والمناظر الخلابة تسحرنا بالتقدم لنتزود من متعة وجمال ارض الرافدين , وإذا بصوت من خلفنا يأمرنا بالتوقف , بدد ذلك الصوت الصفاء الجميل لنشوة نفسي واثار حفيظة صديقي الخائف , فأشار علىّ بان نركض هاربين , كانت اجابتي سريعة بان يبقى واقف في مكانه , نظرنا إلى الخلف باستدارة حذرة , كان شاب يرتدي ثوبا ريفيا وبيده سلاح ، وما ان تقدم الينا حتى خرج علينا اثنين آخرين كانا مختبئين في الحقول . ادركت حينها ان الحكمة هي ان تعرف ما الذي ممكن ان تفعله , والمهارة أن تعرف كيف تفعل ذلك ، والنجاح هو أن تفعل وتؤثر , تبسمت في وجوههم والقيت عليهم تحية الملهوف المشتاق للقاء احبته , فهدأت نفوسهم الغضبة وسكنة رباطة جأشهم , اخبرتهم بانني ورفيقي نبحث عن الحقيقة المجهولة وندافع عن المظلومية لجميع ابناء وطننا , اقتادونا الى دار واسعة قريبة تجمع فيها العديد من الرجال اغلبهم كانوا يحملون السلاح . دفعني احدهم بقوة الى وسط المحتشدين ثم ارتطم بي صديقي بعد ان واجه دفعة اعنف , وتعالت الاصوات بالهتاف والتكبير .. الله اكبر .. الله اكبر , فرفعت يداي للأعلى , فعنت الوجوه والاصوات , فقلت بصوت فيه بلاغة الخطابة : الحمد لله لقد وثقت باننا في امان مادامت تكبيرة احرامنا واحدة , وايقنت بانكم قوم تعبدون الله ونحن اخوتكم في الاسلام وفي ضيافتكم اليوم واكرام الضيف واجب . تقدم شيخ كبير من بين الحشود الواقفة , وضع يده على كتفي الايسر وسألني : من تكون ؟ وما الذي اتى بك الى ديارنا ؟ , وضعت يدي حيث فعل هو وقلت : اني اخاك في الله ومثيلك بالإنسانية وشريكك في الوطن , والذي اتى بي شوقي للسؤال عنك وتفقد اخبارك والتواصل معك والدفاع عن مظلوميتك , احتضنا بعضنا ليتعالى صوت التكبير من جديد . الله اكبر .. الله اكبر فتحت عيني على صفعات احد رجال الامن وهو يحاول تنبيهي وسحبي من السيارة , بعد انفجار عبوة ناسفة موضوعة على الطريق العام بالقرب من مدخل العاصمة بغداد , وتدمير السيارة التي كنت استقلها برفقة صديقي الذي مزقت جسده الشظايا وقد فارقت روحة الحياة , وقد اخرجوني من الحطام بالتكبير الله اكبر .. الله اكبر ليحتضنني صاحبي ذاك الشيخ الكبير وهو فرح بنجاتي من الموت , وانا ابرءه من الارهاب براءة الذئب من دم يوسف .
مقالات اخرى للكاتب