الوطن العربي، تلك البقعة الجغرافية التي تقع في قلب العالم، والتي تنبض بالخير، تعتبرُ كحلقة وصل بين دول العالم، فهي من المناطق المهمة على ظهر الكرة الأرضية، ولها من الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية والحضارية والثقافية والدينية.
تلك البقعة التي يتكلم سُكانها اللغة الواحدة، وتعتنقُ الدين الواحد، وتحتكمُ الى الكتاب الواحد، وتتجهُ الى القبلة الواحدة , فهي مهد الحضارات والأديان السماوية الثلاث - المسيحية واليهودية والإسلامية، فضلاً عن الديانات الأخرى. تلك البقعة اختارها الله للعرب، حتى ينطلقوا بها للعالم، لنشر تعاليم الإسلام المعتدل، وجعلناكم أمةً وسطاً.. لم تعد اليوم كذلك !!
رغم هذهِ المشتركات التي تجمع ابناء الوطن العربي الواحد، إلّا أنهم اليوم يعيشون في اسوء حالات الضعف والوهن، وتلك الأمة باتت أوهن من بيت العنكبوت، وربّما تكون هذهِ السنين من أخطرها وقعاً، فالوطن العربي الكبير لم يعد وطناً موحداً، وتلك الأمة التي وصفها القرآن الكريم، لم تعد أمة وباتت أمم وملل، فالوطن العربي اليوم، يعيش الصراع والتصادم، وتمزق جسده، وتهشمت أضلاعه، وانسلخ من معتقدهِ الوسطي الى أقصى التطرف، وباتت نشرات الأخبار العالمية، تعج بأنبائه غير السارة أبداً، واصبح العربي والمسلم على حد سواء، متهماً بالإرهاب، وبات مصطلح “ عرب فوبيا أو إسلام فوبيا”، لصيقاً بكلّ عربي ومسلم، وفي الحقيقة إن للغرب مبرراتهم، عندما ينعتونا بالإرهاب، وتلتصق تلك الصفة بنا، لأن صور الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام، ماهي إلّا عبارة عن قطع رؤوس وسبي النساء وقتل للنفس المحترمة، والغريب إن ذلك يترافق وصيحات التكبير، فكيف سيرى الغربي الإسلام؟مؤكد أنهم لا يعرفون عن الإسلام إلّا بمقدار ما يرونه واضحاً في الصور، وقد يزداد الأمر تعقيداً، عندما يترافق مع ذلك كلّه، قبول ودعم عربي لبعض الدول، وتبنيها التطرف، ولا تتوانى في التدخل بالشأن الداخلي للدول الأخرى، ولا تحترم خصوصيتها، لا.. بل تُصدر فتاوى التكفير والتحريض على قتل النفس المحترمة، لا .. بل أنها وضعتها في منهاجٍ، يُدرّس الاطفال والنشأ ..
حتى النحر وتكفير الآخرين، وهذا أمرٌ في غاية الخطورة. إن تنامي هذهِ الأفكار المنحرفة “ أدبيات التطرف”، ساهمت الى حد كبير في خلق صراعات داخلية داخلية بين دول الوطن العربي، عندما تصاعدت نبرة الخطاب الطائفي، وغاب الحوار العقلاني ،وصمت الخطاب المعتدل، إنّهُ كتحصيل حاصل أن تضطرب هذهِ الأمة، وتصبح في مهب الريح ، وتذهب الى الهاوية بكلّ ما تحملهُ الكلمة من معانٍ. إنّ اللعب على وتر الطائفية، أمرٌ مقلق، إذ استطاع من خلاله اللاعبون في المشهد العربي، صياغته بشكلٍ متقن، وتحققت أهدافهم في أن يبتعد العرب عن قضيتهم المركزية فلسطين، وعدوهم المفترض - الكيان الصهيوني ،ويتحول الرصاص الى صدور العرب أنفسهم، ليكون الصراع عربي - إسلامي بامتياز، ابتداءاً من العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، ومروراً بمصر والسودان وتونس والمغرب، ولا تكون أخِرُها ليبيا والجزائر، لاستنزاف موارد العرب أولاً، ومن ثمّ تفكيك الوطن وتقسيم المقسم، وإكمالاً لسايكس بيكو أو الشرق الأوسط الجديد، واصبح الوطن العربي عالماً مضطرباً، يعج بالمشاكل، وشارعه في حالة غليان، وسُكانه تعيش حالات الفقر والعوز والمرض والاقتتال ، مقابل أن ينعم الملوك والرؤساء بالخيرات في مشهدٍ غريب جدّاً. تشير الدراسات الى أن الوطن العربي، يحتوي على كميات هائلة من النفط، تصل الى 65 % من احتياطي العالم، و61% من احتياطيّ الغاز الطبيعي في العالم, ويعتبرُ النفط عاملاً من العوامل الهامة التي اعطت للعرب مركزاً إستراتيجيا بين التكتلات الدولية التي دخلت ميدان الصراع، لتفوز بالسيطرة على منابعه، لكن العرب غافلون عن معرفة أنفسهم وأهميتهم الاقتصادية الهائلة، وقوّة السلاح الذي يمتلكونه في المنطقة ، فقسمٌ منهم انشغل في الملذات والبذخ، وصل حدّ التميع ، وآخرون انشغلوا في حروبٍ داخلية، وأخرى تعاني العوز والفقر.
كان المفروض أن يستخدم العرب سلاح البترول في رفع مكانتهم العالمية والاقتصادية في مواجهة دول العالم الكبرى، ولا يبقى تابعاً، يتنقل بين أمريكا وأوروبا وروسيا والصين التي يسيلُ لُعابُها على نفط العرب، وأن تساعد الدولة الغنية الفقيرة لأنها أمّةٌ واحدة؟ إن أوضاع الوطن العربي باتت لا تسر عربياً قط ، فهي اصبحت بلاد رعب وقتل وسفك دماء واقتتال عربي إسلامي، وأن البحث عن المشتركات كالدين والمعتقد والقبلة الواحدة، بات حديثاً لايقنعُ احداً، ووصِف “ كالبحثِ عن أبرة في كومة قش”، فدول العالم الإنسانية المتحضرة، تتوحد فيما بينها، وتلغي الحواجز، فيما وطننا على العكس تماماً، بدأ يتفكك، ، وحلّ فيه الجهل والظلام، بسبب تدخل الدول الاستعمارية الكبرى التي تفتعل الأزمات، لتعتاش عليها وعلى أكتاف شعوبنا، ونحنُ ما زلنا نُقدّم لها الولاء والطاعة، وبات حلم الوطن العربي الكبير، مجرد وهم .. وسيكون نشيد مدارسنا : بلادُ الرعب أوطاني .فلاتحزني يابغدان.
مقالات اخرى للكاتب