عجيب وغريب ومثير هو عالم الآثار! نحفر بحثًا عن حضارات غابرة، فنعثر على كنوز دفينة لا نتوقعها.. تثير دهشتنا وتجعلنا ننظر عبر نافذة التاريخ إلى عصور انقضت وطواها النسيان. حوادث أو فلنقل أسرارا نقصها تباعًا، لا يزال علماء الآثار عاجزين عن تفسيرها.. ولا تزال من الأسرار التي لم تبح بعد الرمال بها.. وما زلنا ننتظر ذلك اليوم الذي قد يأتي بمفتاح السر أو قد لا يأتي أبدًا.
الحادثة الأولى وقعت في عام 1923، فبينما كان العالم الأميركي جورج رايزنر يقوم بالحفر إلى الشرق من هرم الملك خوفو، قرر التوقف وقضاء إجازته في بوسطن، حيث كان يعمل وقتها في متحف بوسطن للفنون الجميلة وجامعة هارفارد. وقد كلف قبل قيامه بالإجازة مساعده آلان رو والمصور المصري محمدين إبراهيم بتصوير أهرام الملكات والطريق الصاعد. وفي أثناء قيام المصور المصري بتثبيت أرجل حامل الكاميرا على الأرض، تحركت أرجل الحامل وغاصت في الرمال، وهكذا بدأت الحفائر، حيث تم العثور على مدخل البئر المؤدية إلى حجرة دفن الملكة حتب حرس - أم الملك خوفو - وعثروا على مدخل حجرة الدفن مختوم بخاتم الجبانة وعليه كلمة: وعبت وهنا وعلى الفور توجه آلان رو إلى مكتب التلغراف وأرسل برقية إلى رايزنر يقول فيها: لقد عثرنا على دفنة، واضح أنها لم تفتح من قبل.. احضر فورا.
وجاء رايزنر إلى مصر وظل لمدة عشر سنوات يخرج لنا كنوزا بديعة، موجودة الآن بالمتحف المصري ضمن أحد أهم روائع كنوزه، والتي هي عبارة عن أثاث الملكة الجنائزي، الذي يشمل محفة تحمل على الأكتاف، وسريرا تعلوه مظلة (تسمى بالعامية ناموسية، لأنها تمنع تطفل الذباب والناموس) مصنوعة من خشب ومصفحة برقائق الذهب الخالص، بالإضافة إلى مقعدين وثيرين، والكثير من الصناديق الخشبية، منها صندوق للجواهر به عشرون خلخالا مطعمة بالأحجار الكريمة كاللازورد والعقيق.
وكانت المفاجأة المدوية لا تزال في انتظار رايزنر! فعندما وصل إلى التابوت وجده ضخمًا من الحجر الجيري الجيد المقطوع من محاجر طرة الملكية. وبفحص التابوت وجد مغلقًا بإحكام بحيث وضع شريط من الجبس حول الغطاء وصندوق التابوت، الأمر الذي يعني أننا أمام تابوت مغلق لم يتم فتحه منذ أن وضعت فيه مومياء صاحبة التابوت – حتب حرس. ولكن وبمجرد أن قام رايزنر بفتح التابوت نظر فلم يجد بداخلة أي أثر لمومياء! لم يستطع رايزنر لأيام وأسابيع تفسير ما حدث، وظل عاجزًا عن إيجاد حل لهذا اللغز. ولعل هذا ما ساعد في البداية على انتشار الكثير من الشائعات بين عمال الحفائر وأهالي نزلة السمان القريبة من الهرم. فقيل إن المومياء موجودة داخل التابوت، ولكن عليها طلسم سحري لكي لا يراها أحد، أو يلمسها أحد. وبالطبع أدى انتشار الكلام عن السحر والطلاسم إلى خوف بعض العمال من العمل مع رايزنر.
وبعد تفكير عميق في الأمر قدم لنا رايزنر تفسيرًا غريبا! حيث أشار إلى أن الملكة حتب حرس دفنت أصلا بجوار زوجها الملك سنفرو والد الملك خوفو في منطقة دهشور. وحدث أن أبلغ الملك خوفو بسرقة مقبرة والدته في دهشور، فاستدعى الملك مهندسه المعماري وكبير الكهنة وأمرهم بنقل مومياء الملكة وأثاثها إلى الجيزة بجوار هرمه وأن تدفن سرا دون أن يسمع أو يرى أحد ذلك. وعلى حد قول رايزنر فقد أحضروا كل الكنوز ودفنوها في هذه المقبرة التي يصل عمقها إلى ثلاثين مترا وأغلقوها دون أن يشعر أحد وختموها بخاتم الجبانة لكنهم أخفوا عن خوفو سرقة مومياء أمه!
مقالات اخرى للكاتب