تحت سقفٍ من الصفيح نختبىء؛ واهمين إن الأخير سينقذنا من صواريخ" كروز" والقنابل العنقودية الأمريكية؛ وإذا بِخبر سقوط الإله صدام باغتنا، لنتنفس الصُعداء أخيراً؛ بعد إن جثم على صدرونا(40) عاماً، فَهرع الناس لِضخامة الخبر، وكُلاً أفرغ غضبه؛ بطريقته للثأر من وحشية ذلك النظام، لكنني أفرغت غضبي بطريقة مختلفة؛ هرعت إلى المدرسة المجاروة لنا، وأخرجت كُتب الوطنية الميتة بِسموم البعث، ومزقتها؛ وسرعان ما حرقت أوراقها التي حملت صور القائد!
في بلد المُحبطات؛ لم تحترق تلك الوطنية المزيفة، لكنها نزعت جلدها؛ وفق ضرورات دعاة الديمقراطية الجدد، فهي حلم يداعب مُخيلهم؛ في أن يُعد أحدهم رمزاً من رموزها؛ لِيرتدي البدلة الكحلية، والرباط، ويزور المدارس؛ ليقف أمام تلاميذ المدرسة، وهم يتجرعون بلسانه اللبق حب الوطن، وصفوفهم مكتظة بالنازحين الذين هُجروا ظلماً وجوراً من ديارهم! فأي وطنية، ونحن بِلا وطن!
إنتابني شعورٌ واحد، بين خطاب صاحب(القاط والرباط) الوطني في مدرسة لجأ إليها النازحون، وما شاهدته يوم أمس في شارع المتنبي؛ وجدت ديوان الجواهري، وبمُحاذاته صورة راقصة تدعى"صافيناز" وعلى ما يبدو إن بعض بائعي الكتب؛ يدمجون بضاعتهم الأدبية مع صور الراقصات، والمطربات، لِتُحقق الأخيرة نسبة أعلى في مبيعاتهم اليومية!
بدأ الإحباط يزداد شيئاً فشيئاً؛ عندما تجولت بين أروقة القشلة، ومعالم التراث البغدادي؛ في أغلب الأماكن، وجدت الحداثة طغت على تراث المدينة القديم، وأصبحت أحدق في الأشياء بِمرارة؛ كما أتذوق" الشاي" بِدون قِطعة سكر! وحضرت مخيلي، أثار أقدام أجدادي على جذع النخيل، والأخير مقطوع الرأس، وبعضه لا تتحسس فيه رائحة عذوقه!
طاولني السأم والضجر، وأخذت الخيبة ترتسم على وجهي، وسرحت بِنفسي دون قصدٍ لمكانٍ معين؛ حتى وجدتها أمام مدخل قاعة لمنتدى سياسي،؛ يتصف أغلب الحاضرون بالكروش السياسية الضخمة من شدة" الهرج والمرج" والصفير السياسي الحاد، إلى درجة جفاف"الزردوم" وتراجعت؛ حتى لا أرجم بوابل الأحاديث السياسية، فهؤلاء يحدثون الصُم من شدة صراخهم السياسي الفارغ! وأخذ التساؤل يدور في الذهن؛ لما تتفاقم المعظلات السياسية بوجود هذا الكم الهائل من" فطاحل" السياسة؟!
أخذت قسطاً من الراحة، على ضفاف نهر دجلة؛ وسرعان ماوجدت الأخير؛ قد تشوه هو الآخر بكميات من المحطبات، كوجود النفايات التي تطفو على سطحه ، والمياة الملوثة، وأنينه الصامت، لدماء الضحايا التي هُدرت في مياهه غدراً، وظلماً.
لم يخبرني" عبود قردحجي" أو " جاكلين عقيقي" من متكهني الأبراج والحظ؛ بمُحبطات عهدنا الجديد، وأيقنت؛ إن ليس كل شيء ندركه في الآجل، ما دام هنالك مشعوذين بصورة الملائكة، يستطيعون خلط الأشياء، كما يخلط الماء بالزيت؛ لتِستمر الحياة في بلد المُحبطات..!
مقالات اخرى للكاتب