السيد رئيس مجلس الوزراء يصرّح كثيراً، على أن اللافت في تصريحاته أنها غالباً ما تكون بعيدة عن الواقع بمسافات شاسعة. من ذلك، تصريحه الأخير، وبالمناسبة هو ليس أخيراً بمعنى المكلمة، ذلك أن مضمون هذا التصريح قد كرّره السيّد المالكي مرات ومرات، والمضمون هو: هزمنا القاعدة بالتعاون مع شيوخ العشائر ولكن الأحداث في سوريا أعادت هذا التنظيم للعراق.
أنتم تلاحظون في هذا المضمون أربعة عناوين: القاعدة، شيوخ العشائر، ثم سوريا، فالعراق. وفي هذه العناوين الأربع كان السيد المالكي يجافي الحقيقة. فالقاعدة جائت للعراق منذ أول أيام سقوط الديكتاتورية، وكانت لها أجندة معينة. ثم، وبسبب من سياسات حكومية فاشلة، التحق بهذا التنظيم الارهابي المئات، وربما الآلاف، من العراقيين الذين قررت الحكومة معاداتهم. أما شيوخ العشائر، فهم لم يتعاونوا مع الحكومة في حربهم ضد القاعدة، بل الأصح القول: تعاونوا مع القوات الأميركية من جهة، ومن جهة ثانية انتفضوا لحماية أعرافهم التي هددتها القاعدة (راجع مقالة ديفيد بترايوس التي تنشرها "العالم" على أجزاء منذ فترة). كل ما فعلته الحكومة أنها استثمرت نجاح شيوخ العشائر فحاولت أن تجيّره لها، ولكنها فشلت، وبالتالي انقلب هؤلاء عليها شر منقلب (الشيخ عبد الستار أبو ريشة، أول مؤسسي الجماعات العشائرية التي قاتلت تنظيمات القاعدة، وتمّت تصفيته من قبلها لاحقاً، يعاني أخوه الشيخ أحمد أبو ريشة، والذي قاد ما عاد يعرف بقوات الصحوة، بعيد استشهاد أخيه، ظل يعاني من علاقة متوترة على الدوام مع الحكومة وزعيمها، الأمر الذي اضطرّه للانكفاء على نفسه والعودة إلى الأنبار، ودفع بالسيد المالكي، في الوقت عينه، لاستبداله بطريقة درامية وتسليم تنظيم الصحوة للسيد وسام الحردان، وهو منافس تقليدي لعائلة أبو ريشة!).
وبالوصول لحجة أزمة سوريا، تلك التي كثيراً ما لوّح بها السيد المالكي أمامنا بوصفها هراوة قد تنزل، وفي أي لحظة، على رأس واحد منا، فكان من الممكن أن نتعامل معها كما تتعامل دول مجاورة لسوريا، الأردن مثالاً. ولمن لا يعرف، فالأردن ترتبط وسوريا بحدوود واسعة، كما أنها قريبة جداً. بل أن مهد الثورة السورية، مدينة درعا، لا تبعد عن مدينة الرمثا الأردنية إلا بضعة دقائق بالسيارة، مع ذلك، وبالرغم من حساسية الوضع الأردني، لم تتعامل عمان بمثل ما تعاملت به بغداد مع هذه الأزمة. كل ما نملكه مع سوريا صحراء قاحلة، ومرة.. وكل ما تملكه سوريا، بالنسبة لحكومتنا، هو مقام السيدة زينب، وتوجيهات الجار الشرقي. مع ذلك، كانت سوريا أزمتنا، تماماً مثل لبنان. نحن ولبنان رضينا أن تكون سوريا أزمتنا. بالأحرى رضينا ما صمّمه له الأسد وحلفاؤه. صدروا الأزمة السورية لنا، وصارت العاصمة بغداد، وبفعل سياسات حكومية ساندة، مسرحاً مناسباً لتنظيمات الشرّ القاعدية وما شابهها.
العراق، وهو رابع عناوين جملة السيد المالكي الآنفة، كان يمكنه أن يتجنب ذلك كله لو توفرت لقيادته سياسة حكيمة قادرة على حماية الناس أولاً، ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة ذاتها. كل ما فعلته هذه الحكومة هو التحشيد ضد الآخر، واعتباره عدواً. ثم التحشيد ضد ابن الطائفة الذي يختلف معها، ووصفه بأقذع الأوصاف. كانت هذه الحكومة مصدر توتر داخلي مستمر. وكانت علاقاتها بدول الاقليم، باستثناء إيران، وإلى حد ما الكويت، متوترة أيضاً. أما علاقاتها العربية والدولية فلم نلحظ أي انفراجة حقيقية بخصوصها. انها حكومة تنتج الأزمات بشكل جاد وحثيث. انتهى الوقت الرسمي. ثم بدأنا نقرأ تصريحات تريد تبرئة ثمانية أعوام من الفشل. وها نحن بأزاء قصة فاشلة من الغلاف إلى الغلاف، وهي قصة تنظيم القاعدة، وتعامل حكومتنا معها. كل ما يريد أن يقوله السيد المالكي هو الجملة التالية: أنا من خلصكم من تنظيم القاعدة، بعد أن أجبرت العشائر على التحالف معي. وأنا من سينقذكم من تنظيم القاعدة، بعد أن ننتصر لسوريا الأسد في حربها ضد تنظيمات داعش والنصرة وما إليه!