الرعيب إشارة إلى الرعب , وهي تحوير لكلمة ربيع , الذي تم تحويل مسارها وحرفه مئة وثمانين درجة , قتحولت إلى رعيب , والمقصود أن الربيع العربي يقطر ألما!
والرعب هو الخوف ومنه رعبته فهو مرعوب إذا أفزعته , والرعيب الذي يقطر دَسَما.
ورعبت الحوض أي ملأته . وسيل راعب: يملأ الوادي.
فحالتنا العربية مضطربة , وتجنح إلى صناعة التداعيات , وجلد الذات بأقسى سياط القهر والإذلال والعدوان على النفس والموضوع.
ويبدو أن لدينا ميل لتحويل النور إلى ظلام , والهداية إلى ضلال , ونسعى للتوطن في حفرة نجيد حفرها أجيالا تلو أجيال.
تلك حقيقة قاسية , تسيّدت على القرن العشرين , وها هي تمضي بعنفوان على سكة عقود القرن الحادي والعشرين.
فالعرب لا يعرفون إلا التأسي والتغني بالماضي الذي لا يمكنهم أن يدركونه أو يعرفونه , بل صار نوعا من الفنتازيا وأحلام اليقظة والهذيان , بل وحتى الأوهام التي تصل إلى ناصية الجنون.
ولا جديد في الموضوع , فكما أنهم قد حوّلوا الثورات إلى إستبداد وطغيان , ووضعوا أنفسهم في أنظمة حكم تدين بالطوارئ على مرّ العقود , بعد أن أسقطوا الحكومات الملكية , فأنهم كذلك يفعلون , إذ تراهم منهمكين في تحويل ما يسمى " الربيع العربي" إلى " الرعيب العربي".
فبعد أن ثاروا على الظلم والإستبداد , نجدهم قد دخلوا جميعا وبلا إستثناء في نفق الرعب والخوف والقلق وفقدان الأمان , ورفعوا رايات التداعيات وسفك الدماء , التي سيحملونها على مدى عقود القرن الجديد الشديد.
وما حصل عندهم في عقده الأول , سيقود ويحدد مسيرة العقود التاليات.
وهذا يعني أن العرب لا يمتلكون مهارات وخيارات المعاصرة وصناعة الحياة , وإنّ لديهم ميل قوي دفّاق نحو صناعة التلاشي والخراب.
ومن الواضح أنّ هناك عوامل كثيرة متفاعلة في صناعة هذه الصيرورة المأساوية , التي تمحق الأمل وتدفن الطموح , وتقيّد الأجيال بأصفاد الويلات والصراعات المدمّرة لجميع الأطراف.
وكأن العرب يدورون في ناعور الإعماء والإغفال على جميع المستويات , فلا توجد قيادة واحدة إلا ودخلت في هذا الناعور , وما استفاقت إلا وقد وجدت نفسها على حافة الهاوية المريرة المخزية.
وما يحصل لقيادات " الرعيب العربي" هو ذاته الذي حصل لقيادات الثورات في القرن العشرين , ولهذا فأن نهايتها , ربما لن تختلف عن نهايات القيادات السابقة.
وما يجري على الساحة العربية بأسرها , هو إعادة تصنيع ذات الآليات والتفاعلات التي عصفت في بلاد العرب , على مدى النصف الثاني من القرن العشرين , وقد تبدّلت الوجوه والصياغات , وما تغيّرت الآليات والقوانين التي تتحكم بالسلوك السياسي.
وهكذا تجدنا أمام حكومات وقيادات إنحبست في الكراسي , أو خلف الأسوار , وازدادت حمايتها وتعاظمت ميزانياتها اللازمة للمواجهة مع الشعب , تحت توصيفات ومسميات وإدعاءات لا تنتهي , مأخوذة من قاموس الويلات , والتي يتم تصنيعها في مختبرات المصالح والمزايدات والمراهنات , ووفقا لإملاءات النفط وإرادة الإحتكارات.
فليستعد العرب لقرن مأساوي شديد , أكثر مرارة وقسوة وضراوة من القرن العشرين.
وتلك مصيبة أمة أضاعت رشدها , وأغفلت قيمتها ودورها , وإيمانها بنفسها وبإنسانها الحضاري المنير!!
مقالات اخرى للكاتب