بداية لا نعتزم ، عبر هذا المقال المبتسر ، إفساد فرحة العراقيين والتنغيص على بهجتهم ، برحيل رئيس الحكومة السابق (نوري المالكي) الذي ارتبطت بمواقفه الطائفية كل ضروب التوترات السياسية والصراعات الاجتماعية والانهيارات الأمنية ، مثلما لا نريد لهم أن يقعوا مجددا"ضحية نشوة الآمال العراض المعقودة على خليفته اللاحق (حيدر العبادي) ، الذي يتصور البعض انه سيلعب دور(برومثيوس) في الأسطورة الإغريقية ، ومن ثم بناء توقعاتهم ونسج تمنياتهم على حافة جرف هار من الرمال . والحال إن كل الذين يتوقعون بان العراق سيخرج من عنق الزجاجة المالكية الضيق ، إلى رحاب التحسن الأمني والاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي والنهوض الحضاري ، وذلك بمجرد استبدال الأشخاص وتغيير الأسماء والتلاعب بالعناوين ، لابد أن الوهم سيكون حليفهم والخذلان نصيبهم . فالإشكالية العراقية من التعقيد والتشابك بحيث لا تنفع معها الإجراءات الشكلية والترقيعات الجزئية والمزايدات الخطابية ، طالما إن القوى السياسية الفاعلة ما برحت تتعامل فيما بينها من منظور المكاسب الشخصية والفئوية ، بدلا"من منظور المصالح العامة والوطنية ، وطالما إن الهويات التحتية والثقافات الفرعية والولاءات الهامشية هي المعيار الذي تأخذ به وتعول عليه ، بدلا"من الشخصية المعيارية والهوية العراقية والثقافة الشاملة . ولهذا وبالرغم من كل المؤشرات الذاتية والموضوعية التي يمكن أن تساق لصالح أو ضد السيد (العبادي) ، أو أي شخص آخر قد يأتي من ذات البيئة السياسية الموبوءة بالفساد والانحراف ، فانه لا يحمل عصا سحرية - كما في القصص الخرافية – تتيح له تحقق المعجزات وإتيان الخوارق بلمسة واحدة . فالرجل وان يحتكم إلى مؤهلات علمية وعملية - يفتقر إليها العديد من أقرانه وزملائه - تجعله اقرب إلى العقلية الليبرالية المرنة منه إلى الذهنية الدينية المتشددة ، وأدنى إلى الفضيلة الموضوعية منه إلى الرذيلة الطائفية . فهو ربيب مؤسسة سياسية وإيديولوجية أظهرت التجربة طيلة العقد المنصرم ؛ أنها أسست لواقع يمتاز بالتخلف الاجتماعي والتطرف السياسي والتطيف الديني والعنف المذهبي . هذا بالإضافة إلى أن مطالب شركاء القضية وشروطهم من الصعوبة والتعجيز ، بحيث أنها ستطيح بأي محاولة جادة تستهدف ترميم الصدوع في جدران الثقة ورتق الشقوق في نسيج العلاقات ، لاسيما وان رفيقه السابق (المالكي) أورثه تركه ثقيلة من الشكوك والضغائن ، لا يقوى أيا"كان على حملها ، ناهيك عن إزالتها من النفوس واستئصالها من الأذهان . ولذلك فان الأيام القادمة ستكون حبلى بكل التوقعات والتصورات ، باستثناء تلك التي تؤشر لاستئناف مرحلة جديدة من تغليب مقومات الوحدة الوطنية الجامعة ، على عوامل التمزق القومي والتشظي الاجتماعي والتفرق الديني . أو سيصار إلى تقديم مصالح الوطن وحقوق المواطن ، على حساب مغانم الحزب القائد ومآرب الطائفة المهيمنة ومكاسب الاثنية المستقلة . وهكذا فان (صخرة سيزيف) ستبقى جاثمة على صدر العراقيين تطحن كيانهم وتطمر طموحاتهم ، دون أن يستطيع (المخلص) الجديد (العبادي) ليس فقط زحزحتها من مكانها ، وإنما التمكن من رفعها إلى حيث يكون بمقدورهم تنفس هواء الحرية الطلق ، بدلا"من تنشق روائح العفن الطائفي والنتانة العنصرية !! .
مقالات اخرى للكاتب