قبل أكثر من سبعة عقود كانت سوريا الحضن الدافئ الذي يستقبل مئات الالاف من اللاجئين الاوربيين حيث استقبلت مدينة حلب السورية وحدها 12 ألف لاجئ يوناني فروا من ويلات الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي وتحديدا عام 1943 ،كما استقبلت الاف اللاجئين الارمن الفارين من اتون الحرب ،وفي العام 1948 تدفق اللاجئون الفلسطينيون الى سوريا ،ومنذ ذلك الوقت شكل الفلسطينيون جزءا من نسيج المجتمع السوري ،وبلغ عددهم قرابة 581 ألف لاجئ يحملون وثائق سفر خاصة باللاجئين الفلسطينين ويتمركزون في مخيمات اليرموك وسبتة وقبر الست وخانة الشيخ وخانة ذنون في دمشق ومخيم النيرب بحلب ومخيمات حماه وحمص ومخيم درعا ومخيم عين التل.وبعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 تدفق مئات الالاف من اللاجئين العراقيين الى سوريا ،وتشير المفوضية الاممية لشؤون اللاجئين ان عدد اللاجئين العراقيين الذين استقبلتهم سوريا بلغ نحو مليون ونصف المليون لاجئ ،حيث شهدت سوريا اكبر هجرة جماعية في الشرق الاوسط بعد ترحيل الفلسطينيين من ديارهم.
يبدو ان التاريخ يعيد نفسه ،ولكن هذه المرة الصورة معكوسة ،بعد ان اخذت وكالات الانباء والصحف العالمية تعج اليوم بصور السوريين الهاربين من جحيم الحرب المستعرة في مشهد مماثل لما حدث في اوربا قبل سبعة عقود ،عندما تدفق الاف اللاجئين نحو بلدان الشرق من اجل البحث عن حياة افضل .اليوم يتدفق السوريين الفارين من الحرب المستعرة منذ اكثر من 4 اعوام ونصف على اوربا في محاولة منهم للبحث عن حياة امنة ،ويتعرض الكثير منهم للموت والغرق اثناء رحلات الهروب الى اوربا ،وكان اخرهم الطفل السوري ايلان الذي هزت صورته العالم اجمع وهو ملقى على شاطئ البحر غريق ،وبعد ما يقارب 70 عاما يعيش ملايين السوريين اسوء ازماتهم فيما يحلمون بالوصول الى دول اوربية تحتضنهم وخاصة اليونان التي يتدفقون اليها عبر تركيا ،لتكون بوابة عبورهم الى دول اوربية اخرى مثل المانيا والدول الاسكندنافية ،وخلال الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 فر الاف اللاجئين الاوربيين من ويلات الحرب في اوربا الى دول الشرق العربي كسوريا ولبنان والعراق ومصر أملا في أيجاد حياة امنة .
الشعب السوري الذي اضحى أكثر من نصف سكانه لاجئون لدى دول الجوار ومئات الالاف منهم يحاولون عبور البحار على متن قوارب الموت ، الا ان سوريا احتضنت ولاتزال تحتضن اللاجئين الفلسطينيين وعشرات الالاف من الاسر اللبنانية التي تقاسمت الحدود السورية اللبنانية التي كانت تعتبرها وكأنها بلدها.
نحو بلاد الغرب يتدفق من بلاد الهلال الخصيب بلاد الامويين والعباسيين مئات الالاف يوميا ،يستقلون زوارق متهالكة هربا من الموت الذي يلاحقهم يوميا بلا هوادة ،يتوجهون صوب الدول الغربية التي لاشك انها ضالعة في صناعة هذه المأساة وأدامتها واطالة امدها ،خاصة الدول ذات النفوذ والتأثير العالمي كأمريكا وبريطانيا وفرنسا ،فهذه الدول مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ازهاق ارواح السوريين والعراقيين والليبيين والمصريين ،وهم من افتعلوا الازمات في هذه البلدان وما يحدث هذه الايام للاجئين وطريقة استقبالهم ومعاملتهم السيئة لهم ،بعد ان عجزت الدول العربية والاسلامية عن استقبالهم واحتضانهم .
الامل الحقيقي لانهاء ازمة اللاجئين ما زال بعيد المنال ،ويبدو ان الغرب لا يسعى حتى لايجاد حل جزئي يخفف من معاناة اللاجئين ،مما يثير جدلا كبيرا حول جديتهم في معالجة ازمة اللاجئين وانهاء معاناتهم التي تحولت الى أزمة دولية حدودها داخل سوريا وفروعها في كل انحاء العالم….التاريخ يعيد نفسه ,,,ولكن هذه المرة السوريون هم الضحية.
مقالات اخرى للكاتب