بات واضحا أن الدم العراقي يسفك بارادة سياسية، هي ذاتها التي تهدد وحدة البلاد والعباد وتجمع الحطب للحرب الأهلية، وكأن دعاتها لم يشبعوا من التناحر والمواقف العبثية، أو لأنهم لم يفكروا يوما بشراكة حقيقية، فقد تعودوا مناقصات تجارية لا تقبل القسمة على غيرهم، و أصبحوا تجارا يضاربون في كل لحظة باستقرار العراق، لذلك عندما تصفر وجوههم يتسرب الخوف الى نفوس المواطنين، وكلما يتبادلون " عناق المصالح" تتراجع نسب القلق و تتراخى الاجراءات الأمنية، رغم أن الشارع لم يهدأ بسبب الاتهامات الجاهزة.
يتعمدون اشغال المواطن بهموم اضافية ، ويتفننون في تقييم المواقف الدولية بينما يعجزون عن توصيف ما يجري على أمتار من دائرة تحركاتهم "السلحفية"، سياسيون لم يلدوا بعد ، ومع ذلك يجتهدون في وحدة العراق واستقراره، يتهمون بعضهم البعض، ويصل التخوين حد التصادم المسلح قبل أن تخفت نيرانه فجأة ، في واحدة من أبشع جرائم اللامسؤولية ، و التي يساق فيها الشعب الى المقصلة بدم بارد و لا من مجيب أو معين، سياسيون يضحكون والشوارع تنزف دما، يتغامزون و وحدة العراق بين فكي أعتى العفاريت، شجعان في تخويف شعبهم ، لكنهم يحسبون كل صيحة عليهم.
يتحالفون بالليل و يتقاتلون في النهار، قوائم ملغومة وتحالفات بنيت على جرف هار، ومع ذلك يتحدثون عن عملية سياسية تغارباريس من نضوجها، وتتألم واشنطن من عدم اخضاعها للتجربة وراء الأطلسي، فيما الصحيح أنها مفارقة حكم عجيبة غريبة، تدار بخصومات غير معهودة، ما يبرر الفشل المتجدد يوما بعد أخر، مليارات تنهب وشعب يزداد جوعا وقهرا باعترافات الأمم لمتحدة والمنظمات المستقلة، مقابل تشييد سياسيي الصدفة لابراج من ذهب خارج العراق.
شعب يقارع الخوف علنا و سياسيون ينامون قبل غروب الشمس، لا يعرفون ما يجري خارج بيتوهم الأسمنتيه، ومع ذلك يصدعون الرؤوس بعبارتهم التحذيرية من كل شيء سوى الخوف على أستقرار العراق، فكل ما يشغلهم الأحتفاظ بكراسي حكم لا يستطيعون الدفاع عنها بمسؤولية وطنية، لذلك لا تنتظروا سماع خبر استقالة واحد منهم، حتى لو أحرقت الفتنة ظهر العراق لا سامح الله، فكل ما يشغلهم تزوير الممكن من صناديق الأقتراع و تقاسم كراسي النواب بعد المحافظات، فيما الشعب يصنفهم في خانة الغرباء.
يقول العقلاء في العراق انهم انتخبوا و أختاروا بتاثير العشيرة والطائفة والمتبقي من الأحزاب، وأنهم يخضعون لغسيل دماغ بشكل يومي، بسبب التخويف الطائفي و التهميش السياسي والانغلاق الحزبي، وقبل ذلك غياب المشروع الوطني، الذي يوحد الشعب على اساس الأنتماء العراقي لا المناكفات المذهبية والعرقية والمزاجيات الشخصية، وهم في ذلك يتحدثون عن كارثة تزيد من تصحر العراق على مختلف المستويات، لأنها تضع كل الخيارت في المكان غير الصحيح، و تدفع نحو المزيد من الأخفاق، فهناك حيتان تزحف بكل الا تجاهات و " تبتلع" كل ما يمر أمام عيونها الوجلة ، و مع ذلك تتحدث عن نصرة الفقراء والمحرومين.
لقد أصبحت المتاجرة بهموم و مشاكل العراقيين و سيلة تنافس بين السياسيين، يرفعون سقف المطالب عندما يفشلون انتخابيا ، و يخففون من نبرة التحذير عندما يخفقون أمنيا ، و لأن النجاح ليس مدرجا على أولوياتهم، فلا ينتظر العراقيون أنفراجا بعد الانتخاباتت البلدية، و ربما عليهم انتظار مرحلة جديدة تميل فيها كفة الترجيح لصالح المواقف المعتدلة والقراءة الصحيحة للأولويات، وهي مسؤولية مشتركة لا يجوز تحميل طرف اجتماعي عراقي دون غيره واجب الأنتصار لها ، بوصفها قارب النجاة الأخير من كل توافقات السياسيين، واذا لم يستعجل الشعب لاعلان قرار" الطلاق اللارجعة" فستبقى الأمور في دائرة اللامسؤولية، وهو نداء اضافي الى شعب يتنفس الوطنية ويمقت الطائفية، ويلعن كل المنادين بالحرب الأهلية، فقد ظلم السياسيون أخوتنا أكثر من اللازم، ويهددون وحدة البلاد والعباد يوميا، ولن يقدموا أفضل مما اجترته السنوات المتواصلة من اخفاقات كبيرة، والتي لا يغطي عيوبها الغربال!!
مقالات اخرى للكاتب