لم يعد خافيا على احد كما ذكرنا سابقا المكانة والأهمية المتميزة التي يمثلها الشباب في جسم المجتمع وكيانه ولا يختلف في هذا الرأي اثنان وإذا كان هناك ثمة اختلاف فالاختلاف يكمن في درجة الاعتناء بالشباب وتوفير أسباب الرعاية والاهتمام اللازم للنهوض بهم ، وتوجيههم نحو الاتجاهات السليمة والمرغوب فيها وعلى العموم فإن جميع المجتمعات تتوقع من شبابها جملة من التوقعات في مقدمتها:
تحقيق الآمال والأهداف المستقبلية وجعل المستقبل أكثر سعادة ورفاهية وتقدما وأمناً، وهذا الهدف الواسع لا يحققه إلا الشباب الشريحة الأوسع حجما في جسم المجتمع، وأكثر همة وحيوية والفئة التي تتولى مقاليد الأمور وزمام القيادة عما قريب فسوف تسلم لها انجازات الحاضر وما توصلت إليه الأجيال السابقة لا لتقف عندها وتحافظ عليها كما هي دون إضافات أو تطوير أو ابتكار، لأن نقل التراث مهمة لم تعد كافية في عصر تتسارع فيه المعارف والعلوم، إذ غدا المطلوب من شباب اليوم الاستفادة من خزين الماضي كطاقة تدفعهم إلى الأمام بأقدام راسخة وعزيمة ثابتة ، كل هذا من اجل صنع مستقبل أفضل.
إن الشباب مرحلة من مراحل الحياة والرغبة في العمل الجاد كما أنها تعد مرحلة الآمال الكبيرة والطموحات المتوقع تحقيقها وهي بذلك مرحلة تسهم مع المراحل العمرية الأخرى في خلق حياة جديدة. فعلى سواعد الشباب تعقد الآمال والأهداف التي تســــعى الأمة إلى تحقيقها.
ومن ذلك المنطق تتجه الكثير من اهتمامات الدول نحو توفير فضلى الخدمات إلى شبابها حسب إمكاناتها وظروفها ولا يتبادر إلى الذهن كما أسلفنا أن الرعاية تقتصر على توفير مؤسسات التربية والتعليم والإكثار منها فحسب، أنها مؤسسات لم تعد كافية رغم المراجعات المستمرة لبرامجها ومناهجها وأساليب عملها، والحرص على تطوير مستوى العاملين فيها وذلك لأن التعليم موجه أساساً نحو هذا الفرد لإيجاد معنى حياته، ولكن الواقع يبني انه ليس بالإمكان إيجاد معنى الحياة بمجرد الجلوس على كرسي الدراسة، كما أن هذا المعنى لا يمكن أن ينهمر بدون عمل شيء، لذلك يتطلب النهوض وإيجاد هذا المعنى بأنفسنا، كما أن عصرنا الحالي لم تعد فيه مؤسسات التعليم المصدر الوحيد لتقديم المعرفة والرعاية والتربية انه عصر بات فيه من الصعب على مؤسسات التعليم اللحاق بما يتفجر يوميا من المعارف والعلوم والتكنولوجيا، وقد وافق ذلك الكثير من المشكلات والصراعات ولد كثيراً من التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية داخل المجتمعات الإنسانية نفسها، إضافة إلى انه عصر كثرت فيه المطالب الفردية والاجتماعية ولعل أول المتأثرين بهذه الأجواء تأثرا واضحا هم فئة الشباب إذ لم يعد بميسور البيت والمدرسة لوحدهما توجيه الشباب وإشباع حاجاتهم ورغباتهم وتوفير الفرص المناسبة لممارسة هوايتهم وحل المشكلات التي تعترض مسيرتهم، لذلك ظهرت إلى جانبها مراكز الشباب ودور الرعاية العلمية ومتاحف الشباب وأنديتهم ومنظماتهم وغيرها من المؤسسات التي ترمي جميعها إلى تحقيق العديد من الأهداف لعل من أهمها:
أ. مساعدة الشباب على التكييف مع البيئة الاجتماعية ومتطلباتها الجديدة تكيفا سليما يكسبهم الرضا عن أنفسهم وعن المجتمع.
ب. مساعدة الشباب على إشباع حاجاتهم وهواياتهم لينشأوا نشأة بعيدة عن التأزّمات والصراعات والاحباطات النفسية وبذلك يتحقق ما يمكن أن نطلق عليه توفر السلامة والصحة العامة المتمثلة بجسم صحيح وعقل سليم ونفس راضية مطمئنة.
لقد أظهرت كثير من الدراسات بأن كثيراً من أسباب الضياع والصراع وحتى التشرد أو التمذهب بمذاهب ضارة بالمجتمع إنما يعود إلى ما يتعرض له الشباب من إهمال وسوء معاملة أو نقص في تلبية حاجاتهم وهواياتهم فعندما لا يجد بعضهم قدرا من الرعاية المطلوبة قد ينجح في سلوكه، وقد يحاول حمل معاول الهدم للانتقام من المجتمع ونقض أعرافه والخروج على قيمه وتقاليده وبدلا من أن تكون هذه الطاقات قوة موجهة نحو البناء والتعمير فإنها تنحو نحو التهديم والتقويض وبعكس ذلك فإن ما يميز الشباب الذين لقوا رعاية كافية في مراحل العمر السالفة نضج اجتماعي ونفسي وبدني.
إن المجتمعات التي تحدث فيها التحولات والتغيرات السريعة لابد وان تصاحب هذه التحولات والتغيرات السريعة الهزات، إذ تظهر أنماط من الممارسات الجديدة تحاول أن تحل محل الأنماط والقيم السلوكية المتعارف عليه، وليس بالضرورة أن يكون الجديد بجملته صحيحا أو نافعا إذ قد يأتي من الجديد شيء ضار يتعارض وأهداف المجتمع وأغراضه النبيلة في الحياة ولاشك أن التأثيرات الجديدة –غالبا- ما تظهر في صفوف الشباب في تصرفاتهم، ونشاطاتهم اليومية لذلك يحسن التحوط من التأثيرات الضارة والعمل على تحصين الشباب من التعرض لها، لنه يستحيل علينا تقريبا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تأثيرات العصر الحديثة على الشباب أن نحدد الحالة التي سيكون عليها شباب المستقبل دون التدخل في المسارات التي تقودهم إلى حالات أفضل.
وسنكمل حديثنا ان شاء الله في مقال اخر .
مقالات اخرى للكاتب