كثيرة هي المعاول التي شحذت حافاتها ونهاياتها، لطعن شعب عانى من الويلات والكوارث، مالم يعانيه شعب آخر في العالم طُرا، ووطن أصبحت تسمية "خان جغان" لاتنطبق عليه، فحسب، وإنما يعيشها لحظة بلحظة.
فهذه ايران تدفع بمليون، أو مليون ونصف "زائر" لدخول العراق عنوة، بعد أن حطموا بوابات المنفذ الحدودي في زرباطية، وكأن يدها الطويلة في الشأن العراقي عموماً لم تعد كافية! وتركيا "اردوغان" تدخل قواتها العسكرية وأسلحتها الثقيلة، وتعيد توزيعها في عمق الأراضي العراقية، وقت ما تشاء، وحسب مزاج السلطان، وبسهولة قد لاتتوفر لها في دخول منطقة "تقسيم" في اسطنبول، فهناك من يتصدى لها من اليساريين والديمقراطيين وكل المعارضين لسياسة السلطان.
أما الدخيل الأكبر "أمريكا" فحدث عنها ولا حرج، وان كانت حريصة على إخراج مسرحية تدخلها في الشأن العراقي ببراعة المخرجين الكبار في "هوليود".
المشكلة ليست في هؤلاء كلهم، وإنما هي في السياسيين العراقيين، الذين جعلوا من البلد مباءة لكل من يريد إيذاء العراق، ويسعى إلى ان يكون لجزمته اثر في تربته الطاهرة، والمؤلم حد البكاء أن الثوابت الوطنية، التي لم يختلف عليها العراقيون في يوم من الأيام، كمقاومة الغزو الأجنبي والاحتلال، والدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية، أصبحت في مهب الريح، لان غالبية المشتغلين في السياسة، يعتمدون في وجودهم ونشاطاتهم، وطائفيتهم على احد البلدان المجاورة أو البعيدة، والأمر سيان بالنسبة لهم، مادام الكرسي هو الغاية والوسيلة في آن...
أما الثرثرة عن الوحدة الوطنية، وإدانة الطائفية، ومحاربة الفساد، لفظاً فما هي إلا جواز سفر، للاستمرار في خداع الناس، وتلميع صورهم التي بهتت ألوانها، أو طاح صبغها بالشعبي.
المعول الجديد جاء من السعودية هذه المرة، بأعلانها التحالف العسكري الإسلامي، الذي تشارك فيه (35) دولة، وظهر فجأة على طريقة "افتح ياسمسم" بهدف معلن هو محاربة الإرهاب كما يدعون، فيما ذكرت "داعش" بخجل ساعة الإعلان عنه.
وهنا لايسع المراقب، بل حتى المبتدئ في السياسة، إلا أن يتساءل وببراءة: لماذا جرى استثناء العراق وسوريا وهما الدولتان المبتليتان بأقذر أنواع الإرهاب، وأكثرها وحشية من هذا التحالف؟ وأين ستحارب جيوشهم الجرارة الإرهابيين ان كانوا صادقين؟! وهل كافحوا جراثيم الكراهية والتطرف في بلدانهم أصلاً؟
إن الإعلان عن هذا "التحالف" ربما يكون ترجمة عملية، لما طرحته بعض مراكز القوى في الولايات المتحدة الامريكية على لسان "جون ماكين" وغيره، بضرورة إدخال قوة عربية "سنية" قوامها مائة ألف مقاتل لمحاربة داعش في العراق، ولتصبغه مقدماً بصبغة طائفية، وتوظيفه لاحقاً في مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية، كما بشرنا به "جو بايدن" قبل بضع سنوات!
نعم هناك من يسعى إلى تطبيق هذا السيناريو الشرير، في ظل الظروف المعقدة جداً، والتحديات الخطيرة، التي تواجه الشعب العراقي، وضعف جبهته الداخلية إلى حد الهُزال، وهو بلا شك جزء من عملية إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما ينسجم مع مصالح الدول الرأسمالية، وإسرائيل، وسائر الأدوات الملحقة بالإسطبل الامبريالي.
لاحل لهذه المأساة إلا بكنس الفاسدين، والمتواطئين مع الأجنبي، أيا كانت سحناتهم، وأطيافهم الحزبية، أو الطائفية، أو القومية، وهذا ما يطالب به المتظاهرون في ساحة التحرير، وساحات الشرف الأخرى، إلى أن يتحقق ويستعيد العراق عافيته.
مقالات اخرى للكاتب