لا اعتقد أن هناك لٌبساً في هذا العنوان، فبعض المسؤولين من القدامى والجدد، لا يتورعون عن تحويل أفكارهم، وبالتالي ضمائرهم إلى سلعة تباع وتشترى بأبخس الإثمان، وتبعاً لما هو مطلوب منهم، أو تبعاً لمقتضيات الحالة التي يريدون الظهور بها.
ولكي يكون حديثنا ملموساً، وليس معلقاً في الهواء، كما يفعل البعض، نذكر أن احد الأخوان من "ممثلي الشعب" في البرلمان السابق، أراد أن يدهشنا بقدرته على التلون والانتقال من حال إلى حال كما تفعل الحرباء، ظناً منه أن ذاكرة العراقيين معطوبة ومليئة بالثقوب، متناسياً أن سياسة ونهج الفريق الحاكم السابق، وكان هو احد نجومه، هي السبب الأساسي في ما آل إليه العراق من مآس وكوارث مطبقة عليه إطباق السوار على المعصم.
لقد صرح هذا "الجهبذ" منتقداً الآلية المعمول بها حالياً في تسمية رئاسات اللجان البرلمانية ونوابها ومقرريها، واصفاً هذه الحالة بأنها خرق واضح للنظام الداخلي لمجلس النواب، وتكريس لمبدأ المحاصصة والمجاملة، التي كانت سبباً في فشل لبرلمان في دورته السابقة، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وفيها دليل قاطع على أن النائب السابق لا يخلو من حس الفكاهة والنكتة، وان كانت في غير محلها، وكنا سنصفق بحماس، لو كان صادقاً في طرحه، ولو مارس هذا الدور الشريف مرة واحدة لاغير، عندما كان يجلس على كرسيه الوثير في مجلس النواب، أو عندما كان وزيراً في الحكومة الأسبق، فقد كان من أركان المحاصصة الطائفية - الاثنية والمبشرين بها، وجاء إلى منصبيه السابقين، بفضل هذا السرطان لا غير.
أن النفاق السياسي، والإصرار على ممارسة لعبة الضحك على الذقون، دخل طريقا مسدودا، لان العراقيين الطيبين والبسطاء بدؤوا يستعيدون الرؤية في اللبن كما يقول المثل الشعبي. وهذا النفاق ينسحب أيضا على آخرين من نفس الفصيلة، وهم يمارسون هوايتهم المريضة، ووضع العصي في عجلة التغيير الجديدة، رغم أن هذا التغيير مازال بطيئاً ومليئاً بـ "الطسّات"، وإلا بماذا نفسر القول بأن الاتفاق الذي جرى بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في موضوع النفط، هو كارثة وطنية، وتفريط بمصالح الشعب والوطن! أو تصريح الآخر، بأن زيارات القادة العراقيين إلى دول الجوار هي إهدار للمال العام! وصاحب هذا التصريح لم يترك وسيلة إلا واستخدامها في عملية "اللغف" وسرقة حتى أموال اليتامى والأرامل، إما كبيرهم فأراد أن يفشل حتى تطبيع العلاقات مع تركيا وبقية جيران العراق.
من يريد أن يستعيد احترامه لنفسه، دع عنك احترام الآخرين له، ومن يريد أن يكفر عن ذنوبه التي أوصلت العراق شعباً ووطناً إلى هذا الحضيض، عليه أن يكون صادقاً قولاً وعملا، وان يلفظ المحاصصة بكل تلاوينها، كما تلفظ النواة، بل أن يدوس عليها بحذائه وان كان مفتوقاً من وسطه، وان يسعى بشرف ويعمل كل ما في وسعه، لإنقاذ العراق من هذا البلاء الذي يمسك بخناقه، ويجثم على كل شيء فيه، وإلا فلن نخرج من المستنقع الآسن، الذي جررتمونا إليه، رغم أنوفنا.
مقالات اخرى للكاتب