في الاصطلاح السياسي يعني التقشف، انه برنامج حكومي ذو طابع اقتصادي، يستهدف الحد من الإسراف وزيادة الإنفاق على السلع الاستهلاكية، وتشجيع الادخار، والعمل على مضاعفة الإنتاج، فهل حقاً ستؤدي الإجراءات التقشفية المنوي اتخاذها إلى معالجة هذه الاختلالات البنيوية؟ وهل ستكون وقتية فعلاً كما يدعي بعض المسؤولين؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها، ويريد المتحمسون للتقشف وكما جرت العادة أن يدفع الفقراء ثمنه كاملاً، دون أن يتنازل هؤلاء، ولوعن نسبة صغيرة من السحت الحرام، الذي يتبارون في الاستحواذ عليه، دع عنك ضرورة التحري عن الأسباب الحقيقية لهذا العجز المالي، ومن المسؤول عنه؟ وكيف أفرغت الخزينة بهذه الطريقة الغريبة؟
صحيح أن أسعار النفط انخفضت انخفاضاً كبيراً، وصحيح ايضاً أن الحرب ضد "داعش" التي يتحمل مسؤولية مجيئها من أفرغ الخزينة ذاته، إلا أن هذين العاملين المهمين، حصلا منذ بضعة أشهر لا أكثر، فأين ذهبت مئات المليارات قبل هذا التاريخ المشؤوم؟ ولماذا أصبحت لدينا أزمة نقدية بهذا المستوى والحجم؟
أن السبب الرئيسي في خواء خزينة الدولة، هو النهب المنظم لثروات البلاد، وإهدار المال العام، والفساد المالي، الذي يمارسه الكثير من المسؤولين، ولهذا سيكون خطأ جسيماً، وعيباً أن يتحمل فقراء شعبنا وكادحوه عبء الإجراءات التقشفية، وحذار من المساس برغيف الخبز وقوت المحرومين، الذين هم تحت خط الفقر، ويشكلون نسبة 25% من الشعب العراقي، فضلاً عن بطالة حقيقية ومقنعة لا تقل عن 40% واحتقانات اجتماعية واسعة.
ثمة حلول اقتصادية وانية أخرى يمكن اللجوء إليها بدلاً من التقشف في الخدمات الاجتماعية، نذكر واحداً منها لا غير، هو تقليص النفقات غير الضرورية لبعض المؤسسات الحكومية، وارجوا أن تنتبهوا إلى الأرقام التالية:
في مجلس النواب (2500) موظفاً، بينما حاجة المجلس الفعلية هي (200) موظفاً فقط/ ويبلغ عدد حمايات أعضاء مجلس النواب (14.800) عنصراً/ مصرف الجيب لعضو البرلمان عند إيفاده إلى الخارج هو (600) دولار وفي الداخل (150) دولار، عدا الإقامة في أرقى الفنادق والمأكل والمشرب/ نفقات إدامة سيارات مجلس النواب وأعضائه تبلغ ملياري دينار/ في مجلس الوزراء (1615) موظفاً، ويقول السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي ما احتاجه من هؤلاء هو (50) موظفاً فقط لا أكثر!/ في المساءلة والعدالة (1047) موظفاً/ في المنطقة الخضراء كلها أكثر من (28،000) موظفاً تبلغ مخصصات الخطورة التي يحصلون عليها (574) مليار دينار عدا رواتبهم في رئاسة الجمهورية (2000) موظف/ يوجد (716) وكيل وزارة/ و (4535) مديراً عاماً بالإضافة إلى حماياتهم وايفاداتهم والنثريات ومكاتبهم!
بعد هذه الأرقام "المتواضعة" لا أظن أن هناك حاجة للحديث عن الفضائيين الذين يقدر عددهم بأكثر من (300،000) فضائي، ولا عن الرواتب الفلكية للرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، ولا عن الايفادات التي تتحكم بها المحسوبية والمنسوبية، وتحولت إلى سفرات سياحية وترفيهية..الخ.
فلماذا لا يتم اللجوء إلى تقليص هذه الأعداد الهائلة التي تكلف ميزانية الدولة مليارات لا تعد ولا تحصى، بدلاً من إلقاء أعباء التقشف على كاهل الشغيلة وذوي الدخل المحدود؟
انه سؤال برسم الإجابة رجاءً!
مقالات اخرى للكاتب