ظهرت الى التداول السياسي الرسمي والشعبي هذه الأيام دعوات من قبل بعض السياسيين العراقيين لتشكيل حكومة طوارئ ولغرض توضيح مدى إمكانية تشكيل مثل هذه الحكومة من الناحية الدستورية لمعالجة مجموعة الأزمات السياسية المعقدة التي تمر بها البلاد وجدنا من المفيد توضيح ذلك للإخوة السياسيين ولكل المعنيين والمهتمين بهذا الموضوع . وقبل أن نباشر بذلك لابد من توضيح ما هو معنى حالة الطوارئ والتنظيم الدستوري لها في دستور 2005 ثم نجيب على التساؤل الذي طرحناه في عنوان مقالنا .
الأصل في الدولة أن تعيش بصورة دائمة في حالة من الأمن والاستقرار العام تنظمها وتحكم علاقاتها مجموعة من القواعد الدستورية والقانونية إضافة إلى الاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي .. واستثناء من هذا الأصل قد تتعرض الدولة إلى أخطار جسيمة قد تهدد وجودها وأمنها واستقرارها ، فتصبح القواعد العادية التي اشرنا إليها عاجزة عن مواجهتها ، ويصبح من الضروري مواجهتها بقواعد استثنائية استنادا الى ان سلامة الوطن اعلى من القانون. هذه الأوضاع والتدابير الاستثنائية يطلق عليها حالة الطوارئ (state of emergency) . وهكذا يمكن تعريف حالة الطوارئ على أنها ( مجموعة الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها السلطة التنفيذية بقرارات إدارية في أحوال محددة على سبيل الحصر وضمن شروط معينة(
نظم دستور 2005 حالة الطوارئ وحالة إعلان الحرب في الفقرة تاسعا من المادة 61 منه حيث منح مجلس النواب صلاحية الموافقة على حالة إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين وبناء على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. وتعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما قابلة للتمديد وبموافقة عليها في كل مرة . يخول بموجبها رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ . وتنظم هذه الصلاحيات بقانون بما لا يتعارض مع الدستور .يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب الإجراءات المتخذة والنتائج في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتهائها .
من قراءتنا للنص الدستوري الناظم لحالة الطوارئ تبرز لدينا الملاحظات التالية:ـ
1ولا- يشترط الدستور لإعلان الحرب وإعلان حالة الطوارئ التصويت عليهما بأغلبية الثلثين . وهذا يتعارض مع قاعدة سلامة الوطن أعلى من القانون التي تقتضي قدرا كبيرا من السرعة والمرونة لمواجهة خطر قائم او داهم يهدد امن الدولة وسلامتها ، وربما وجودها ووجود الشعب ذاته لان أغلبية الثلثين ليس من السهل تحققها في ظل نظام برلماني من المستحيل ان تتمكن كتلة واحدة او اثنتين تحقيقها . وكان ينبغي على المشرع الدستوري ان يفصل بين حالة الطوارئ واعلان الحرب فيخول رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء معا ان يعلنا حالة الحرب في حالة تعرض البلاد الى عدوان اجنبي او تمرد داخلي او التهديد بهما دون الحاجة الى موافقة مجلس النواب . اما حالة الطوارئ فكان يفترض ان تمنح رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حق اعلانها على ان يصوت مجلس النواب بالأغلبية البسيطة عليها ، وتنتهي حالة الطواريء في حالة عدم موافقة مجلس النواب عليها خلال شهر من إعلانها .
ثانيا- نص البند ج من الفقرة تاسعا من المادة 61 من الدستور على انه (يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ وتنظم هذه الصلاحيات بقانون بما لا يتعارض مع الدستور) ان هذا النص أطاح بنظرية الظروف الاستثنائية التي نظمتها كل دساتير العالم والتي تقوم على أساس تخويل رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي او رئيس الوزراء في النظام البرلماني الصلاحيات اللازمة والكافية لمواجهة ظروف الحرب وحالة الطوارئ بقرارات وإجراءات استثنائية قد تتعارض مع بعض أحكام الدستور والقوانين والأنظمة والتعليمات المرعية . حيث ان النص قيد القانون المنظم لحالة إعلان الحرب وحالة الطوارئ بقيد عدم تعارضه مع الدستور وبذلك يكون قد أفرغه من اي قوة حيث إن الأصل في تشريع القانون هو تمكين الحكومة من مواجهة حالتي الحرب الطوارئ حتى وان اقتضى الأمر تعليق العمل ببعض مواد وفقرات الدستور .وعليه فان المشرع الدستوري لم يكن موفقا للأسف عندما قيد القانون بقيد عدم تعارضه مع الدستور ويلاحظ الحكومات النتعاقبة في العراق لم تعلن حالة الحرب في البلاد رغم ان الحرب قائمة منذ عام 2006 تاريخ تشكيل اول حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور 2006
بعد ان أوضحنا مفهوم حالة الطوارئ والتنظيم الدستوري لها في دستور 2005 والعيوب التي شابت هذا التنظيم نأتي للإجابة على السؤال الذي طرحتاه في عنوان مقالنا وهو هل بالإمكان تشكيل حكومة طوارئ كواحد من الحلول لمعالجة الأزمة السياسية الحالية ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول ، لا توجد في الدستور أي إشارة لا من قريب او من بعيد الى حكومة طوارئ وإنما تحدث الدستور عن حالة الطوارئ التي مر ذكرها وعليه لا يمكن تشكيل حكومة على اساس انها حكومة طوارئ كما لا يوجد في الفقه الدستوري مصطلح حكومة طوارئ وإنما المقصود حكومة تتمتع بصلاحيات طواريء لمواجهة حالتي الحرب والطوارئ .
مقالات اخرى للكاتب