امر وزير الدفاع والثقافة في العراق سعدون الدليمي، بتشكيل وفد رفيع المستوى لمهمة ضخمة، فاختار مسئولين لا يُسائلون من اصحاب الكروش والدم الثقيل، وارسلهم على وجه السرعة الى لبنان في مهمة وطنية جليلة لحضور برنامج آرب ايدول وتكريم مفترسة دجاح كنتكي احلام.
سعدون الدليمي، وهو رجل ذو اتجاه اسلامي بدلالة لحيته غير الكثة، فدرجة وتيرة الايمان تقاس بوحدات المظاهر، اللحية، الدشداشة القصيرة، الزبيبة، المسواك، المسبحة، سجادة الصلاة والنعال وقيل الكرش ايضا، فمن حرص على ان تجتمع فيه كل هذه المظاهر مع الاحتفاظ بوجه متجهم عبوس، وفظاظة وغلاظة في التصرف والسلوك، ضمنت له الجنة، ومن اكتفى بواحدة، مثلما اكتفى سعدون الدليمي بلحيته، فهذا من اضعف الايمان. فوزيرنا الدليمي على ما يبدو ضعيف الايمان وضعيف الثقافة، لذا اصبح وزيرا لوزارتين، ففي العراق، وهذا ليس سرا، الرجل غير المناسب دائما يكون في المكان المهم والحساس، فالسيد الوزير ليس له من العلم ومن الثقافة الا ما يحفظ من ايات الحمد لله وقل هو الله احد وما تيسر له من قصار السور، لذلك يحتل مكانا لا يجب ان يشغله الا المبدع والخبير ومن الذين لهم اسهامات ثقافية وابداعية، ليس منهم اصحاب كتب الادعية وتفسير الايات وحكاوي غزوات الرسول وامتداح سير الصحابة واعادة روايات غابرة مستنسخة من كتب السلف.
في الامس القريب، وفي مهرجان الاحتفال بغداد عاصمة الثقافة العربية، صعد على المسرح رجل اجنبي يحمل معه ما قال عنها بانها قيثارة سومرية قد صنعها بنفسه، بينما وقف عراقي يرتدي الزي السومري ليكون جزء من المشهد الهزيل. اسهب العراقي بامتداح الاجنبي واصفا اياه بالرجل المتفاني لخدمة التاريخ العراقي، رجل كرس سنوات من عمره لصناعة هذه الالة المسماة قيثارة، لم يسمعنا العازف المزعوم الا طنينا ونشازا لثوان معدودة، بينما تولى العراقي قراءة بعض اشعار سخيفة وساذجة قال انها من قريحة عازف القيثارة. المشهد يتطابق تماما مع حكاية الملك الذي وقع ضحية لمحتالين اخبراه بان من لا يرى الملابس الجديدة التي خاطاها له غبي لا يستحق منصبه، فانزعاه ثيابه والبساه حلة موهومة ، ولكي يثبت انه ليس بغبي ولا يليق بمنصبه اطنب بامتداح البدلة واغدق على المحتالين الاموال بينما شعر الناس بانهم اغبياء لانهم لا يرون بدلة الملك الذي تبختر بمشيته عاريا بين صفوفهم، ولكي يثبتوا للملك بانهم شعب ذكي، ضجوا بالهتاف بحياة للملك مستحسنين البدلة الموهومة مثلما صفق الحاضرون للقيثارة التي لم يسمع منها الا طنينا ا.
ومع ان كل احداث المشهد تشير الى ان هذان الرجلان يستغفلان الحاضرين والمشاهدين ويضحكان على ذقونهم، تقدم وزير الثقافة سعدون الدليمي لتكريم عازف القيثارة وليثبت انه ليس غبيا لا يستحق منصبه ولا هو جاهلا بالثقافة وان الحاضرين ومعظمهم من الاسلاميين ليس بالبلداء.
ومع ان ما للوزير من الثقافة مثل ما لاحلام من الفن، صفر على الشمال، وان شبيه الشيء منجذب اليه، لكن ليس هذا التشابه هو مبعث تكريم سعدون لاحلام، فهو يحترم {المني- لحية}التي يحملها وما كان يكرم امراة لم تغن يوما للحبيب المصطفى ولم تنشد انشدوة دينية واحدة حتى في ليلة القدر او مولد النبي، على ان ذلك معلوم ومفهوم، فان هي غنت للحبيب المصطفى، فان اي مسلم، ومهما بلغت درجات ضعف ايمانه وهزالة تقواه، سوف لن ياخذ غوناها{غنائها} على محمل الجد، مثلما لم ياخذ احد لا تقيماتها ولا ارآئها ولا تصابيها على محمل الاعتبار والتأمل. الهبلة اصبح اسمها في جميع شبكات التواصل الاجتماعي، التي عجت بصور كريكاتيرات ضاحكة تهزأ وتسخر منها، لانها لا تنطلق من منطلقات الفن بل من منطلقات الغيرة والحسد واعتبارت الميول.
ومع ان كل مشاركاتها وتقيماتها اتسمت بالنزق والسذاجة، لكن فرصة سنحت لها فاستغلتها للظهور بمظهر المؤمنة الورعة فتجادلت مع الفنان القدير راغب علامة معترضة على استشهاده بمثل يقول بان لله خلق فيروز وكسر القالب، ولأنها من منطقة لا تستوعب الطرافة ولا خفة الدم ولا ملاحة الكلام، لم تفهم المراد بالمثل وتصورت انه انتقاصا من قدرة الله لأن الله قادر على صناعة اي شيء.
الوهابيون اغتنموا الفرصة فاشادوا باحلام وتوجهوا الى الله بالتكبير والدعاء بان الله يعز الاسلام باحلام، وقالوا ان الله سوف لا ينسى عبدته احلام وسيهبها لقب مغنية الجنة لكي تطرب عباده المخلصين من اصحاب اللحى الطويلة والدشاديش القصيرة . ولعل اعتراض احلام الغبي على الفنان الرائع راغب علامة، قد وصل اسماع وزير الثقافة العراقي، لا سيما وان الوزير قد عاش لاكثر من عشر سنوات في السعودية وهو يحمل جنسيتها ولا بد وانه قد تاثر بالافكار الوهابية الفاحشة واصابه جزء من نسيم غباءها، ربما نهض الوزير متحمسا منفلتا من عقاله وهو يصرخ اللهم اعز الاسلام بصوت احلام!!
ربما احتسب الوزير تكريم احلام في دفاعها عن مقدرة الله قربة اليه تعالى ومساهمة في اعلاء الفكر الاسلامي وتعزيزا للوحدة الوطنية والاسلامية.
فائق العقابي الاعلامي السابق ومستشار الوزير في الوقت الحاضر اغدق عليها لقبا لم تحظ به فنانة عراقية من قبل ولا من بعد، فقد اسماها بـ {احلام العراقين واحلام العرب} فان كانت المغنية احلام هي احلام العراقيين، فهذا يعني ان العراقيين قد تحولت احلامهم الى كوابيس وان كانت احلام العرب فيا للعرب من امة بائسة.
الوفد العراقي لتكريم احلام، ولا نعرف بالطبع عدد اعضاءه ولا عدد البودي گارد المتولي حمايته ولا مقدار نفقاته وعلى اي بند قد ادرجت وسجلت، ربما تحت بند نشر الدعوة الاسلامية بشكل فني، ومهما بلغت النفقات ووالتكاليف فان ليس الله هو الذي سيدفعها، الشعب العراقي المغلوب الذي يحلم بالكهرباء لا باحلام هو من تقع عليه دفع هذه التكاليف، هذا الوفد وبدلا من تشجيع المشاركيين العراقيين في البرنامج، توجه مباشرة لاداء مهمته الوطنية في تكريم المغنية احلام العراقيين!!
الشعب العراقي طيف متنوع من الاديان والقوميات فيه العربي والكوردي والتركماني والفارسي والكلداني والاشوري والسرياني والشبكي واليزيدي والمندائي، فكيف لوكيل وزراة قد ترأس الوفد، ولصحفي كنا نظن انه بعيدا عن نهج الحزازات الشوفينية، ان يدعي بان امراة مثل احلام هي تاج على رؤوس العراقيين كما يقول وكيل الوزير بكل دماثة الغباء او انها احلام العراقيين مثلما ما يقول فائق العقابي بكل صلافة الحماقة!!؟
فهل من حقهم تحويل احلام العراقيين الى كوابيس؟
لكنا دعونا نتسائل هل هو الهام رباني ام عبقرة مفاجأة ام خلاصة عصارة الفكر الثقافي ام نقاشات مستفيضة في اروقة الرئاسات الثلاثة عن دور صوت المغنية احلام في صياغة تمنيات العراقيين وتحقيق احلامهم؟ ام ان المسألة مثلما قال عادل امام في مسرحية شاهد مشافش حاجة، بان له صديق فز من النوم ولقى نفسه برعي!
فهل استيقظ سعدون الدليمي من مرقده او من غفوته فوق كرسي الوزراة وهرول صارخا اللهم اعز الاسلام باحلام اللهم وحد كلمة العراقيين بصوت احلام مثلما هرول ارخدميس من حوض الماء وهو يصيح وجدتها وجدتها!!
ما هو الدافع لتشكيل وفد عال المستوى وارساله على جناح طيارة خاصة ليلتقي باحلام في بدلة صفراء فاقع لونها! وليشنفوا اسماعها بعبارات الثناء والمديح والتبجيل، وهي لم تغنٍ يوما لا لعراق ولا للعراقيين وبرنامج آرب ايدول ليس موضوعه السياسة ولا الصراعات القومية، انه برنامج قد اشغل الناس بالموسيقى والغناء وابعدهم ولو لوقت قصير عن غثاء فتاوى جهاد المناكحة وشعارات الاسلام الاخونجية والسلفية والوهابية الغبية ونصائح التداوي ببول البعران للشفاء من امراض السرطان.
لو عرف السبب بطل العجب، والسبب ليس له علاقة بالهام رباني ولا بعصارة فكر ولا ببرعي، انما هو خبث سياسي خالص. ربما حمل الوفد معه اكياسا مملوؤة بدجاج مطبوخ على طريقة كنتكي هدية من جمهورية العراق لتحقيق رغبة احلام التي صرخت باعلى صوتها: آبي اكل كنتاكي!!
پرواز حسين، صوت كوردي عذب ووجه بشوش في الحلقة الـعاشرة من اراب أيدول رفضت احلام أن تنسب پرواس لكردستان وقالت يجب أن يقال أنها مشتركة عراقية لأن كوردستان جزء من العراق.
http://www.youtube.com/watch?v=KB8vcz3i_ew
وفي ظل الصراعات والمجادلات السياسية والشوفينية القومية، تحول كلام المغنية احلام الى معلقة شعرية وشعارات حزبية وعناوين صحفية، ربما أطروه في لوحة وعلقوه على جدران وزارة الثقافة وكل دوائرها، ومنحت احلام صفة مناضلة قومية واصبحت تاجا على رؤوس العراقيين وممثلة لاحلامهم ومعبرا عن وحدتهم الوطنية وبفضل صوت احلام وصوت كل الشرفاء امثالها استطاع العراق ان يغادر ويحل مشاكله ووجهت لها دعوة مفتوجة لزيارة العراق في اي وقت تشاء من كوردستان الى البصرة، هذا ليس مبالغة بل انه نص ما جاء في كلام فائق العقابي الذي كان يقدم برنامج خلينا نسولف من خلال قناة البغدادية لتلقي شكاوى الموطنين وسماع مشاكلهم كان يستعين بصوت احلام لايجاد الحلول الناجعة لمشاكل المواطنين.
فلنقرأ ما اجادت به ذهنية المستشار فائق العقابي الفذة الذي قال بان التكريم ليس من الوزراة بل هو ايضا تكريم من جمهورية العراق بقضها وقضيضها:ـ
{جمهورية العراق ووزارة الثقافة العراقية تكرم فنانة العرب (أحلام العراق)، وهكذا أسميناها لأنها صدَحت بالحزن الحقيقي وهو أن العراق باحث عن وحدته بعيداً عن كلّ المشاكل التي غادرناها بفضل صوت أحلام وصوت الشرفاء الذين دائماً ينادون بوحدة العراق الذي يبقى سلّة تمر تحمله أحلام وغير أحلام.. تحلون علينا ضيوفاً تزورون العراق من كردستان إلى البصرة وبغداد التي تحتفل ببغداد عاصمة الثقافة العربية}
صدق المثل القائل ان شر ابلية ما يضحك.
مقالات اخرى للكاتب