يشهد العراق سلسلة عمليات ارهابية في ظل عدم اتفاق الأكراد والشيعة والسنة على طريقة مستقرة لتقاسم السلطة. وكانت بغداد قد شهدت يوم 20 يوليو 2013 سلسلة عمليات ارهابية متفرقة، أستهدفت معظمها مناطق شيعية واعلنت بغداد يوم 22 يوليو ان 500 سجين على الاقل فروا من سجني التاجي وابو غريب في بغداد اللذين تعرضا لهجمات مسلحة ، يأتي ذلك وسط موجات عنف تشهددها بغداد وكركوك والمحافظات الاخرى ، العملية ادت الى مقتل وإصابة 68 شخصاً من حراس السجن اثناء الهجوم المسلح الذي استهدف سجني أبو غريب والتاجي في بغداد . وكان مسلحون مجهولون قد هاجموا مساء 21 يوليو 2013 سجني التاجي وابي غريب، مستخدمين العبوات الناسفة والقذائف والأسلحة الرشاشة في محاولتهم لتهريب السجناء . ووقع الهجوم وهو احد اكبر العمليات المنظمة ضد السجون في العراق منذ 2003، بعد عام تماما من نشر رسالة صوتية لزعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو بكر البغدادي دعا فيها الى مهاجمة سجون العراق. وقد تبنى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" يوم 23 يوليو 2013 الهجوم على السجنين. واعترف التنظيم بانه كان يخطط لهذه العملية منذ اشهر.
الامن والسياسة
اصبحت العلاقة مابين تدهور الامن والازمات السياسية علاقة طردية ، وهو مؤشر على فشل الحكومة وتورط اطراف سياسية باستخدام العنف ورقة ضغط او تصفية الخصوم . ومهما كان السبب فان حكومة بغداد شهدت محاولات ترقيعية منذ تشكيلها عام 2010 ، لتدار اغلبها بالوكالة وأن استمرار واصرار الحكومة الحالية بالبقاء رغم الضحايا من الابرياء يعكس عدم مبالاتها واستخفافها بدماء الابرياء ، رئيس الحكومة الذي يمسك بوزارة الدفاع والداخلية والمؤسسات الاستخبارية يتحمل المسؤولية اكثر . هذه الحكومة منذ سنوات وهي تتبع أستراتيجية ألمطاولة للوصول الى الانتخابات العامة 2014 بهدف الاحتفاظ بسيطرتها على ثروات العراق وستغلالها لشراء الذمم وتسقيط الخصوم والدعاية .
ويرجع تراجع ألامن في العراق الى غياب ألمقومات الاساسية للامن والدفاع بالاضافة الى الفساد والتسييس ،فلايوجد أمن بدون نظام سياسي مستقر وهذا غير متوفر في الحالة ألعراقية . فمنذ عام 2003 ولحد الان يعيش العراق أحتقان وترحيل الازمات من أجل بقاء ألاطراف ألسياسية في السلطة، فمهما اختلفت هذه ألاطراف تتفق على الاستمرار، والازمة في العراق تزداد تعقيدا كلما اقتربنا من الانتخابات العامة 2014. لقد استغلت ألتنظيمات "الجهادية " ضعف قدرات الامن والدفاع ، لتشن سلسلة من العمليات ضد أهدافا ،البعض منها كانت أهداف نوعية مثل مؤسسات الدولة والسجون لكنها مؤخرا تحولت ضد اهداف رخوة مثل الاماكن العامة والاسواق .
حادثة سجن ابو غريب والتاجي
أن حادثة سجن ابو غريب والتاجي لم تكن جديدة على المشهد الامني العراقي فقد سبقتها العام الماضي عدة " غزوات" للقاعدة ابرزها سجن صلاح الدين والبصرة ومديرية مكافحة الارهاب في شهر اوغست 2012 في بغداد العاصمة ووفقا لبيانات " دولة ألعراق ألاسلامية " فأن العملية حائت استجابة الى نداء ابو بكر البغدادي ضمن سلسلة غزوات "هدم ألاسوار" اي اخراج معتقليهم . هذه الغزوات تضمنت تهديدا علنيا الى القضاة وقضاة التحقيق بالقتل ، الرسالة كانت تهدف الى التخفيف من الضغوطات على معتقليهم وضمن الحرب النفسية وتقوية المعنويات لمقاتليهم . وكانت مجموعة من المسلحيين قد تسللوا الى مبنى المديرية بعد وقوع تفجير سيارتين مفخختين بالقرب من مديرية النجدة وسط بغداد اسفرتا عن مقتل واصابة 65 شخصاً . وكانت نتيجة الاقتحام قد اسفرت عن مقتل بعض الانتحاريين بعد ان قاموا بتفجير الاحزمة الناسفة التي كانوا يرتدوها لحظة دخول القوات . التحقيقات في عملية فرار السجناء وتهريبهم ، كشفت عن تورط قيادات رفيعة المستوى في وزارة الداخلية بذلك مقابل استلام الاموال ولم تتعدى الاجرائات غير العزل او التسريح ، لتتحول وزارة الداخلية الى بورصة لاخراج السجناء ، هذا مايتعلق بالعمليات الواسعة و " الغزوات " و كانت هنالك اطراف سياسية واعضاء في البرلمان متورطة ايضا باخراج السجناء المطلوبيين بتهم الارهاب والقتل مقابل الحصول على المال . فالرشوة والفساد هي التي تسيطر على الامن والدفاع لتتحول وزارة الداخلية والدفاع والمؤسسات الامنية الى دكاكين واسواق بورصة لبيع المناصب والحقائب الوزارية . الحكومة تقوم بتشكيل لجنة في اعقاب كل عملية ، لكن لحد الان لم يطلع الشعب على اي نتائج لهذه التحقيقات .
جاءت العاصمة العراقية بغداد ضمن قائمة اخطر مدن العالم في التصنيف الذي وضعه الـ CNN عن اسوا مدن العالم من حيث الامن، التي مزقها الحرب، وتعد اقل مدن العالم امنا بحسب تصنيف (جودة الحياة ) . واصدرت منظمة "إيراك بادي كاونت" البريطانية في تقريرها بأن بين 112 ألفا و122 ألف مدني قتلوا خلال أعمال العنف المتواصلة في العراق، فيما بلغ مجموع من قتلوا ومن ضمنهم المقاتلين والعسكريين نحو 170 ألف شخص.
عمليات عسكرية واسعة في صحراء الغربية
سبق ان شنت القوات العراقية في 25 مايو 2013 عملية عسكرية على معسكر لتنظيم القاعدة في الأنبار غربي العراق، أطلقت عليها تسمية عملية "الشبح " وبالتحديد في الكيلو 90، الذي يربط العراق بالأردن وسوريا، لتعقب المسلحين . وسبق ان نشر الجيش قوات إضافية لدعم مواقعه على الحدود السورية. وفي الأنبار، تم إرسال وحدات من اللوائين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والعديد من سرايا الصاعقة إلى قواعد دوريات بالقرب من الحدود، بينما تم نقل عناصر من اللواء الثامن والثلاثين من محافظة ذي قار الجنوبية إلى "معبر ربيعة" الحدودي في شمال غرب محافظة نينوى . وتضمنت العمليات حملة انتشار في النخيب ـ الصحراء الممتدة مابين الانبار وكربلاء ـ مناطق صحراوية لتعقب حركة عناصر تنظيم القاعدة . وأسفرت العملية، عن تدمير أحد أكبر معسكرات تنظيم القاعدة، ويسمى معسكر "سيف البحر" في الصحراء، واعتقال عدد من عناصر التنظيم. وفي نفس السياق بدأت عملية صولة فرسان دجلة في محافظة ديالى في نهاية شهر مايو 2013 لنفس الغرض لتشمل شريطَ ديالى الحدودي مع كركوك وصلاحِ الدين وحوضَ حمرين.
أستراتيجية "دولة العراق الاسلامية " ألامنية
أن تنفيذ هذه الغزوات من قبل "دولة العراق ألاسلامية " يعكس مهنية هذا التنظيم القائم على اساس الخبرات العسكرية والاستخبارية. وفق اصدارات التنظيم والتي تم نشر اغلبها على موقعه "ألفرقان " فانه يمتلك أستراتيجية أمنية أستخبارية يتم تنفيذها من خلال أكاديمية خاصة وخبراء ، فالتنظيم يجمع الولاء الايدلوجي العقائدي مع الخبرات العسكرية والاستخبارية ويخضع مقاتليه الى دورات استخبارية اكاديمية تمتد الى اكثر من عام مع استخدام التسلسل العسكري والالقاب العسكرية اكثر من الاسلامية . ويعتمد التنظيم على الاستخبارات اكثر من القدرة العسكرية والقوة البدنية لمقاتليه والتي كانت تعتمدها القاعدة في زمن ابو مصعب الزرقاوي حتى مقتله 2006 .
أن توقيت العملية في هذا الوقت وفي اعقاب عمليات الجيش الواسعة في صحراء الانبار والغربية يعكس مدى قدرة "دولة العراق الاسلامية " الاستخبارية . وهذه العملية تتبرهن صحة نظرية معالجة الارهاب بالمعلومات الاستخبارية وليس بنشر القوات . مثل هكذا عمليات تقوم على اساس تجنيد المصادر من داخل الاهداف اي السجون والمعتقلات قبل ان يتم وضع الخطة العسكرية والتي تبدأ بابجدية الاستطلاع وجمع المعلومات .
عملية سجن ابو غريب والتاجي بدأت في آن واحد بسقوط أكثر من مائة قذيفة هاون أعقبها هجوم بقاذفات الار بي جي والأسلحة المتوسطة والخفيفة وكذلك بتسعة إرهابيين انتحارين وثلاث سيارات مفخخة، وبالتزامن مع عملية الاقتحام حدثت أعمال شغب داخل قاعات السجناء صاحبها انقطاع مفاجئ في الكهرباء". هذه الترتيبات وبضمنها انقطاع التيار الكهربائي تعكس مدى المرونة والتخطيط . تقارير عمليات صلاح الدين وغيرها من عمليات تهريب السجناء كشفت ان التنظيم كان يهتم بكافة التفاصيل ومنها وجود مجموعات خارج السجن تقوم بنقل السجناء والتخفي بطريقة استخبارية حرفية ، هذا النوع من العمليات النوعية يقابلها بؤس وضعف اجهزة الامن والدفاع في العراق.
أن اسلوب مطاردة تنظيم القاعدة "دولة العراق ألاسلامية من خلال شن عمليات عسكرية واسعة دون مسك الارض ينتج عنه تراخي في قبضة الجيش خاصة المناطق الصحراوية واطراف المدن ، وهذا يمكن تنظيم القاعدة من العودة .
أن الفساد والتسييس قد أصبحت جزء من الثقافة العراقية ، التي تتضمن إعطاء رشاوى في نقاط التفتيش المرورية والابتزاز من خلال التهديد بالاعتقال وشراء الترقيات والاختلاس من رواتب المنتسبين ، فمن الممكن استخدام رشوة نقاط التفتيش المرورية لجلب سيارات مفخخة إلى داخل المدن . أن دمج الميليشيات في قوات الدفاع والامن ، يعني احتمال وجود أعداداً كبيرة من الأفراد الذين لهم علاقات بشخصيات سياسية أو عشائرية او تنظيمات "جهادية " لتزويدها بالمعلومات والتعاون معها بتنفيذ عملياتها .
أن أستمرار هذه الحكومة لايعطي اي ضوء في نهاية النفق واستبعاد واستحالة أي انفراج وتنتظر العراق ايام دموية اشد ،فالاحصائيات تشير الى ان وتيرة العنف والقتل بدأ يتصاعد منذ عام 2011 ولحد الان وبشكل متزايد وسط أزمات سياسية وفشل الحكومة . ما يحتاجه العراق في الوقت الحاضر هو حكومة انقاذ وطني /حكومة انتقالية لفرض السلطة وتامين الامن للمواطن العراقي .
جاسم محمد
كاتب ومترجم عراقي في قضايا الارهاب والاستخبارـ مقيم في ألمانيا
مقالات اخرى للكاتب