في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدث قادة الدنيا , والعجيب أن أكثرهم أشار إلى الوصع في البلاد العربية من جانب أو آخر , وبعضهم قالها بوضوح وصراحة وكأنه لا يعترف بالدول العربية , حينما ذكر بأن المنطقة قد تم تقسيمها وفقا للمصالح الإستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى , وسيُعاد تقسيمها من جديد وفقا للأعراق والطوائف والمذاهب , بمعنى إقامة كيانات طائفية عنصرية متلاحية إلى أبد الدهر.
وفي ما بين سطور الكلمات أن العراق ليس عراقا وإنما دويلات متعددة , وكذلك سوريا وليبيا واليمن ومصر والسعودية, وباقي البلدان التي عليها أن تتقسم من جديد , وبدلا من إثنين وعشرين دولة عليها أن تصل إلى مئة دويلة و أكثر!!
وما نهض صوت عربي واحد متحديا بالمنطق والحجة والحقائق والوقائع المعاصرة وفند ما يدّعونه ويصرحون به , وما تجرأ صوت عربي واحد على القول , بأن دول الدنيا كافة فيها تنوعات عرقية وطائفية ومذهبية وغيرها من التنوعات , أو قال لهم لماذا لا تقسمون بلدانكم مثلما تريدون تقسيم بلداننا.
لم ينبس صوت عربي واحد ببنت شفة ذات عزة وكرامة وإباء وإصرار على أن العرب أمة واحدة , وأنهم مجتمعات متعايشة على مر العصور بأطيافها ودياناتها ومعتقداتها , وما تتحدثون عنه رؤى غير مسبوقة ولا متعارف عليها في المنطقة التي هي منبع الديانات والثقافات والحضارات , وقد تعلمت التفاعل الإيجابي مع جميع المكونات.
ربما قالوا بعض الكلمات للمجاملة والحفاظ على ماء الوجه وسط قادة الدنيا , لكن لماذا لم يُسمع صوت عربي واحد يدعو إلى غير ما ذهبت إليه أصوات الدول الكبرى , وغيرها من القوى التي ألقت خطاباتها على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة؟!!
سؤال تصعب الإجابة عليه , ولا يمكن تبريره إلا بأن الأمة إرتضت أن تكون مفعول بها من قبل الآخرين , وما عليها إلا أن تتبع وتقبع وتنفذ المشاريع والبرامج المرسومة , والتي عرضت عليها في مؤتمرات عديدة , وأن القائمين على الحكم فيها يساهمون في التنفيذ وحسب , وبعدها يتحدثون عن مسؤولية الآخرين , وبأنها مشاريع فرضت عليهم وحروب فرضت عليهم , وغيرها من التعبيرات التي تشير إلى الإرادة المسلوبة وعدم القدرة على تقرير المصير.
أي أن القائمين على شؤون الأمة لا يتحلون بالمسؤولية الوطنية والإنسانية والتأريخية , وإنما يتدحرجون على سفوح التداعيات والويلات , ويؤكدون إرادة الفاعل فيهم والممتهن لوجودهم والقابض على مصيرهم السلطوي والفئوي والتحزبي وغيره.
ووفقا لهذه المناهج الإنتهاكية والمشاريع التدميرية فأن عجلات التصارعات والنواكب تدور , والنواعير الدموية تديرها الحمير والبغال والثيران المعلوفة جيدا , بأعلاف فيها ما لا يحصى من المنشطات والمخدرات والمهلوسات التي تجعلها محلقة في غياهب الأوهام .
ومتى ما إستطاعت الأمة أن تلد مَن يمثل جوهر إرادتها ونبض تطلعاتها الحضارية فأنها ستقف شامخة عزيزة كريم مهابة فاعلة وليست مفعولا بها.
فهل ستنجب الأمة قادةً من رحمها الأصيل؟!!
مقالات اخرى للكاتب