العراق تايمز: كتب سعد محسن خليل
ليس لي رغبة للتحدث عن شيء غير واقعي او شيء يتناقض مع واقع الحياة الاجتماعية وهو سلوك انتهجه في الحياة لكني وجدت نفسي مرغما للتحدث عن شخصية عراقية اثارت فضولي شخصية دخلت معترك الحياة بعفوية لكنها وجدت نفسها مرغمة تحمل تناقضات غير موجودة حتى في الخيال ..
فمن يقرأ ما كتب عن يونس بحري يصاب بالدهشة فهذه الشخصية عاشت حياة مملوءه بالالغاز والجدل حيث برز اسمه في العديد من الكتابات قد يكون بعضها مبالغ فيه وقد يكون البعض الاخر قريب من الواقع الذي كان يعيشه المجتمع العراقي في تلك الحقبة من الزمن المليء بالمفاجئات لكن في كل الاحوال سانقل وبصدق كل ماكتب عن هذه الشخصية.
فقد ولد يونس بحري بحسب الروايات عام 1903 في الموصل ودرس في مدارسها ثم دخل دار المعلمين الا انه لم يكمل تحصيله الدراسي فالتحق بوظيفة كتابية في وزارة المالية فتركها عام 1923 بعدها توجه الى خارج العراق سائحا في عدد من الدول الاوربية والافريقية والاسيوية وفي عام 1925 عاد الى العراق ثم سافر ثانية وعمل مذيعا في الحرب العالمية الثانية في اذاعة برلين باللغة العربية ..يقال ان يونس بحري طاف العالم اربع مرات ويمتلك 15 جنسية ويتقن 17 لغة ومتزوج من 90 امرأة زواج شرعي و 200 امرأة زواج مدني ولديه 365 ولد واكثر من الف حفيد واحد ابناءه تقلد منصب قائد القوات البحرية الاندنوسية ..
وقد كان رجلا عجيبا حقا ففي فترة من حياته في الهند كان يعمل كراهب في النهار وراقص في ملهى بالليل ويجد مع ذلك وقتا ليقوم بعمل اضافي مراسل لاحدى الصحف الهندية وفي وقت اخر اصبح مفتي في اندونسيا .. وقد سمي بالبحري كونه دخل في مسابقة بحرية قبل ساعات معدودة من بدئها دون تحضير مسبق او تدريب فعبر البحر محرزا قصبة السبق وفائزا بالمركز الاول مسجلا سابقة لا مثيل لها فأطلق عليه تسمية يونس بحري ومنح جواز سفر دبلوماسي الماني بهذا الاسم ولاول مرة ..
سبق ليونس بحري ان حكم بالاعدام ثلاث مرات خارج الوطن وداخله حيث اصدر نوري سعيد حكم الاعدام بحقه غيابيا.. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واندحار هتلر وانتهاء عمل اذاعة برلين المشهورة التي كان يعمل بها يونس بحري بات ملاحقا في البراري والبحار حتى استقر به الحال متخفيا في لبنان ..
بعدها عاد الى بغداد مع زوجته واستطاع التخفي لدى اقاربه حتى اندلعت ثورة 14 تموز عام 1958 وانكشف مكان اختفاءه ليجد نفسه في زنزانة تضم عدد من قيادات العهد الملكي والتف حوله السجناء وسجانيهم لسماع قصصه وتعليقاته اللاذعة على الثورة والاوضاع العامة في العراق والعالم العربي كونه كان مذيع للنازي ادولف هتلر ..
بلغ الخبر اسماع عبد السلام عارف الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية فاستدعى يونس بحري وسأله " لماذا تحرض ضباط السجن على الثورة " لم ينتبه يونس بحري للسؤال فقد كان منهمكا بالنظر الى طاولة المكتب الذي يجلس عليه عبد السلام عارف الذي عاد ليسأله وهو يضرب على الطاولة ..
فأفاق يونس بحري من سرحانه على ضربات طاولة المكتب وقال " سيادة الرفيق هذه الطاولة مشؤومة " واشار على الطاولة التي يجلس عليها عبد السلام عارف انتبه عبد السلام عارف و فز وحدق في الطاولة وسأل يونس بحري " اشمدريك " فرد يونس بحري " ما قعد عليها احد الا ودخل منها الى السجن " ثم مضى يسرد تاريخ الطاولة .. احضرها عام 1940 رشيد عالي الكيلاني عندما كان وزير داخلية وانتهى به الامر كما تعلم ياسعادة الوزير الى السجن واعقبه فوقها عددا من الوزراء ومصيرهم جميعا الى السجن ..
ارتعش عبد السلام عارف وطلب من الضابط الذي احضره ان يعيده الى السجن وقبل ان يغادر مكتب وزير الداخلية قال له " تحرص ياعبد السلام ان الثورات مستنسخة تأكل اولادها ان لم تجد ما تأكله ..
اعيد يونس بحري الى السجن واودع بحسب تعليمات عبد السلام عارف في زنزانة انفرادية ولم تمضِ اسابيع من تلك الواقعة حتى حضر عبد السلام عارف الى السجن سجينا وليس زائرا فنهض يونس بحري امام قضبان زنزانته ولما شاهده يمر من امامه ناداه " ياعبد السلام ماقلت لك الطاولة مشؤومة والثورة مستنسخة .
تلقى الزعيم عبد الكريم قاسم قصة يونس بحري مع عبد السلام عارف بعد ان انقلب عليه واودعه السجن فراقت له القصة وأمر ليس باطلاق سراحه وانما باحضاره الى مكتبه ..
واكرمه قبل ان يقول له " انت في الحفظ والصون واعتبر ان متاعبك قد ازفت نهايتها " ومضى الى حال سبيله وبدل ان يعاود ممارسة التخفي ظهر في كشك يقع تحت ظل شجرة في احد ميادين بغداد وابدى مهارة فائقة في الطبخ واعداد الوجبات الخفيفة.. وكان من الزبائن الذين تدافعوا الى الكشك الوزراء وكبار الاعيان والمثقفين واعضاء النخبة ..
وتوثقت العلاقة بين يونس بحري واعضاء قيادة ثورة 14 تموز وقد تكللت هذه العلاقة بعودته الى بيروت بعد طلب تقدم به من الزعيم .. الم اقل انني ساكتب عن شخصية تحمل تناقضات غير موجودة حتى في الخيال .