في كل شارع تقطعه و في كل مكان تذهب اليه يشد انتباهك شيء واحد هو كثرت النساء التي ترتدي السواد و الاطفال التي تفارق ملامحهم الطفولة و البراءة و الطمأنينة ، حتى وصلنا الى مرحلة الرقم القياسي ، لو قمنا بتسجيلها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأول دولة بالاتشاح بالسواد و البؤس .
فالحروب الطويلة التي مرت بها العراق وما رافقها من احداث سنوات ما بعد الاحتلال جعلته يتصدر بلدان العالم بنسبة الايتام و الارامل .
فبكل انفجار او اشتباك او اي حدث امني اخر يكون ضحاياه عراقيين ارباب عوائل او شباب متزوجين حديثاً ، بالإضافة الى الاطفال و النساء و من مختلف الاعمار ، فالموت في العراق ما عاد يستثني احد .
والارهاب الذي يخوض معركته الكونية على ارض العراق و يحتل مدنه و يدمرها و يهجر عوائله كان له النصيب الاكبر في قتل العراقيين ، بالإضافة الى الاحداث الطائفية و المليشيات و عصابات القتل و الجريمة المنظمة .
كل ذلك خلق حالة من التدمير النوعي و العميق لبنية المجتمع العراقي وجعله على شفى كارثة ، وهو الذي يسير وفق القدرة الالهية ولا شيء طبيعي او قياسي ينطبق عليه .
فرب الاسرة الذي يستشهد نتيجة الاعمال الارهابية المسلحة من تفجير و اغتيال و اشتباكات مسلحة ، يخلف ورائه زوجة تكون في اغلب الاحيان شابة في مقتبل العمر ، وعائلة ليست قليل العدد من الافراد ، واطفال صغار لا يفقهون شيء من هذه الدنيا ولا يقون على شيء . قاصرون وغير قادرون على العمل او ادارة حياتهم و محتاجون حتى لأحضان الحنان من والديهم ، وضمان فرصة التعليم و الدراسة و الحياة الكريمة بوجود الوالدين .
و في دولة لا تمتلك اي قدرة او مؤسسات او منشأة حقيقية قادرة على القيام برعاية الارامل او الايتام الذين خلفهم مقتل المعيل او رب العائلة.
المشكلة ايضا في العادات و التقاليد في التعامل مع هذه الحالات ، فاذا تعرضت المرأة الى الترمل و فقدت زوجها فنها يحجر عليها الى الابد و تبدأ النظرة الاستغلالية لوضعها من جميع الجهات ، واحيانا تعاني من العوز و الضائقة المالية لعدم وجود ضمان او راتب يعنها وانشغال الجميع بهمومهم و اوضاعهم المعاشية الصعبة ، مما يعني انها ستواجه صعوبة جمه في تلبية حاجاتها الاساسية ، وكذلك ان مجتمعنا لا يسمح بفكرة ارتباط جديدة للأرملة بدعوى الوفاء لشريك الحياة الراحل و وجود شروط معقد و صعبة للزواج و تكاليف باهظة له ، بل تزداد تعقيد الارتباط اذا كان لديها اطفال وهذا يعني انها ستقضي حياتها وحيدة حتى لو كانت في ريعان شبابها .
اما الاطفال اليتامى فانهم سيفقدون التوجيه و المتابعة و العناية و الرعاية بفقدهم ابوهم فيكونوا كمن يتيه في عرض البحر ، خصوصا اننا كمجتمع عراقي يستغرب بل لم يمر بحالة وجود زوج ام يعتني بأولاد زوجته ، وقد حدثة الكثير من المشاكل بسبب ذلك ، مما جعل الرجال يعزفون عن الزواج الدائم بأرملة ، وخصوصا تلك التي تمتلك اولاد كبار مع بقاء النظرة للأرملة نظرة استغلالية بوجود التخلف او الفهم او التفسير الخاطئ لشرائع الدين .
وفي كل سنة يزداد عدد النساء الارامل و الاطفال اليتامى نتيجة استمرار الاوضاع الامنية المتردية في العراق ، فتجعل من اضعف طرفين في المجتمع وهم النساء و الاطفال بمواجهة الحياة بكل صعوباتها و تعقيدها .
ان استمرار الموت و القتل ساري المفعول لسنوات طويلة سيعني انتهاء ملامح الحياة الطيبة و الطبيعية و الصحيحة التي سينشأ عنها مجتمع غير قادر على الاستمرار بالحياة بكل تفاصيلها ، وهذا يعني النهاية للجميع .
مقالات اخرى للكاتب