* هذا الجندي الثمل
طردوه من القاعة
مجده ..
كان بملابس الجبهة الرثة
ولم يكن يحمل بيده
أي سلاح .
في مسرح الرشيد كانت تعرض مسرحية قصة حب معاصرة .. كتبها فلاح شاكر وأخرجها هاني هاني .. وجسّد جواد الشكرجي وسهير البلداوي تلك المسرحية ، دخلت الى صالة الإستقبال ثملا بملابسي العسكرية ، كنت قادما من جبهة الحرب في البصرة ، لم اذهب الى اهلي في كربلاء ، انما توجّهت الى بغداد ، في زقاق من الحيدر خانة شربت " عرق فل " وتركت حقيبتي مع بائع العرق ، وتوجّهت الى مسرح الرشيد ، كنت قبل شهر قد جئت بإجازة من الجبهة الى السينما والمسرح لأستفسر عن مصير مسرحية كتبتها للأطفال ، قابلت قاسم الملاك الذي كان نائبا للفرقة القومية للتمثيل ، عندما دخلت عليه كان يأكل " تكة " كفطور ، أجابني بطريقة إنسانية اصعد للطابق السادس غرفة 12 ، ذهبت الى هناك فوجدتها مغلقة ، فتحت بابا بجوارها ، رأيت جواد الشكرجي وسهير مع هاني هاني ، كانوا في تدريبات على المسرحية بقاعة فسيحة ، هاني هاني دعاني دون ان يعرفني ، جلست دقائق ثم هربت ، كنت لا أتحمل رؤية سهير اياد تمثل امامي ، لكني قررت مشاهدة المسرحية عندما تحين الفرصة ، في مسرح الرشيد أمسك بي الجنود وحماية المسرح ، وأرغموني على الخروج دون رؤية المسرحية بذريعة ثمالتي ، بعد شهور التقيت هاني هاني في معرض لستار كاووش في قاعة الرواق ، وكتبت عنه مقالا احببته كثيرا على أخيرة جريدة العراق ، اما سهير اياد ، بعد سنة تقريبا ، وجدتها تجلس مع صديقي الفنان رائد محسن في صالة المنصور ميليا ، عرضت عليها ماكتبته عن قصة حب معاصرة بعد رؤيتي لها بالتلفاز ، انهارت بالبكاء .. كان حينها هاني هاني قد توفى بحادثة مفجعة ، لم يستطع رائد محسن إيقاف الدمع المنهمر من عيني سهير .. حتى قال لي رائد امامها : ماذا فعلت بها ياحسن ؟ سهير أياد عرفتني ، ونشرت قصيدة بجريدة القادسية بعنوان .. إدركني ايها الألم ، في منتدى المسرح أعطيتها الجريدة على الصفحة التي نشرت قصيدتي ، رأيتها مستغرقة بمطالعتها .. ثم تركت المنتدى تنحب ولم ارها بعد ذلك ابدا .
* أيقظنا رضا المصري في فندق الصياد وقال لنا : اشرقت الشمس ، لابد ان تغادرا الفندق الآن قبل مجيء صاحبه ، كنا ننام تحت سلّم الفندق وتغطينا ملاءة لاتصلح ان تضعها على الموتى ، خرجنا بجيوب فارغة ونعاس مزعج مازال يرافق صحونا ، قطعنا الطريق نحو جسر حافظ القاضي المؤدي الى الصالحية .. كنا قد عزمنا الذهاب الى يوسف الصائغ .. كان مديرا للسينما والمسرح ، رفعنا المصعد اليه ، قابلنا الفنان المخيف طعمة التميمي بغرفة جانبية ، نظرته ذكرتني بدوره البارع بمسلسل الذئب وعيون المدينة ، كان حينها نائبا للصائغ ، في غرفة المدير العام جاء لنا العامل بفنجانين من القهوة ، شربناها على مهل ، بينما كان يوسف الصائغ منكبا على ورقة شعرت يشخبط عليها ، ماهي الا دقائق حتى رفع الورقة وطلب من كزار ان يراها ، اخذها بيده كزار وذهل عندما ابصرها ، كانت تخطيطا بالحبر لوجه كزار .. وحرص الصائغ ان يضع توقيعه ، كان التخطيط بغاية الروعة .. لقد رسم كزار بروحه وليس بشحمه ودمه ، عقد السنتا الخجل حتى نأخذ منه ما نشتري به خمرتنا ، وربما الصحيح اننا خمّنا ان الصائغ لا يمتلك روح المبادرة حتى يعطينا ما نبتغيه ، فخرجنا من مكتبه بقهوة مرّة ، اخذت التخطيط من كزار وإحتفظت به بجيبي ، عدنا الى الصالحية في الطريق رأينا نصير شمة والشاعر الرائع عزيز الرسام .. صافح كزار نصير شمّه .. وقال له :
- كأني أصافح شمعة .. ستذوب كفك بيدي
ضحك نصير شمّه وباس كزار بحنان وإحترام عجيب .. غير ان عزيز الرسام لبث واقفا .. صافحه كزار بحرارة قرويين من الناصرية ، وقال له :
- نريد نشرب
اخرج عزيز الرسام من جيبه بسرعة " خمسة وعشرين " وأعطاها الى كزار ..تركناهم يتحدثون مع آخرين وهرعنا الى بار قرب جسر الصالحية ، اخذنا اربع زجاجات جعة ، وانحدرنا تحت الجسر نشربها ، كنا نشرب بالزجاجة الثانية عندما داهمنا زورق احمر .. هبطا منه اثنان طلبا مايثبت وجودنا ، كنت احمل هوية جريدة العراق ، اما كزار فكان كزار فقط .. لاهوية لا جنسية ، بعد حوار لايخلو من التقريع طلبا منا الإنصراف من المكان ، ظلت بحوزتنا ، زجاجتين .. عبرنا الجسر وعلى ضفته الأخرى هبطنا حيث انبوب ضخم يطلق مياه آسنة لنهر دجلة ، شربنا الزجاجتين على عجل بعد ان غمر اقدامنا الوحل .. غسلنا اقدامنا .. وصعدنا بنشوة نحو شارع الرشيد .. كانت الحانات قد فتحت ابوابها .. قال لي كزار :
- انا شاعر مشهور
لندخل اقرب حانة وسيدفع اي كادح خمرتنا ..أما تخطيط صورة كزار .. كتبت عنه تحقيقا على اخيرة العراق ادهش الصائغ والأعداء .. معا .
مقالات اخرى للكاتب