في سياق توترات وصراعات وحروب وموجات من الهجرة والنزوح واللجوء ،مرت قبل شهور ذكرى الحرب العراقية الايرانية (1980م – 1988) ، وللأهمية التي يكتسبها هذا الحدث التاريخي نجد من ألمناسب لوقوعه أن نقف عنده لنستقي منه العبر والدروس . حيث تحمل طرفي الصراع العراقي والايراني خسائر كبيرة جدا وقعت في فترة الأعوام الثمانية التي استغرقتها الحرب بسبب رفض القيادة الايرانية في ذلك الوقت الاستجابة لنداءات شعوب ودول العالم بوقف أطلاق النار بين جيشي البلدين والجلوس على طاولة المفاوضات لا يجاد حل يطفئ نار الحرب ، في حين كان العراق هو المستجيب الوحيد لتلك النداءات ليس ضعفا بل رغبة في الوصول الى بناء علاقات جيرة صادقة تؤسس للتفاهم الدائم بين البلدين الجارين وبما يعزز أمنهما ويسهم في أبعاد المنطقة عن التوترات التي لا تخدم شعوبها .
فبعد دعوات بتصدير الثورة اطلقتها القيادات الايرانية في ذلك الوقت تصاعدت التجاوزات والاعتداءات الايرانية على الحدود العراقية وهذا ما أكدته مذكرات وزارة الخارجية العراقية الرسمية المودعة لدى مجلس الامن الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز وتجاوز عددها 300 مذكرة لم ينفها الجانب الإيراني، وجميعها أبلغت بوقوع أول تجاوز عدواني على الحدود العراقية ، بتأريخ الرابع من أيلول عام 1980.اتسمت باستخدام القصف المدفعي والأغارة بالطائرات على المواقع الحدودية وخصوصا القاطع الأوسط ومنطقة سيف سعد التي قامت القوات الايرانية لاحقا” بالهجوم عليها بالدبابات و احتلالها، والأغارة بالطائرات على بغداد وقصف بعض المدن العراقية بالمدفعية . الامر الذي دفع العراق الى الغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران في 17 أيلول 1980 واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية، كما قامت القوات العراقية بإبعاد القوات الايرانية الى ما وراء الحدود داخل العمق الايراني وذلك في 22 أيلول 1988 . وبدأت إيران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية في اطار استراتيجية ايرانية استهدفت اطالة امد الحرب لاستنزاف قدرات الجيش العراقي والاجهاز عليه لاحقا” ، مراهنين ايضا” على حساب التفوق السكاني للإيرانيين .
وعلى الرغم من الانسحاب العراقي الى الحدود الدولية في عام 1982 كما كانت قبل الرابع من أيلول عام 1980 ، رفض الجانب الإيراني وقف أطلاق النار في وقتها ، لتستمر محرقة الحرب سجالا” في التهام الضحايا من طرفي الصراع دون الوصول الى نهاية حاسمة واضحة للحرب لتستمر الى آب 1988، حيث اعلنت القيادة الايرانية موافقتها على القرار الاممي 598 بوقف اطلاق النار بين العراق وايران والدعوة لمفاوضات تسعي للإقامة علاقات بين البلدين تعزز حسن الجوار وتوفر فرص التعاون من أجل صيانة سلامتهما وأمنهما وعلى أساس عدم تدخل أي بلد منهما في الشأن الداخلي للبلد الآخر.ونحن نستذكر تلك الحرب الضروس لابد أن نشير الى بعض من مآسيها ، حيث استهدفت المدن والمنشآت الاقتصادية والنفطية والبنى التحتية ، وقتل فيها المدنيين بشكل عشوائي فيما عرف بحرب المدن و لم يوفر الطرفان جهداً في تدمير وحرق وتخريب ما أمكن من أراضي وشواطئ الطرف الآخر، فاستخدمت فيها الأسلحة الكيماوية، وأغرقت السفن ولوثت البحار، بل إن نظماً بيئية فريدة كمنطقة الأهوار في جنوب العراق تعرضت للتجفيف . وهذا هو شأن الحروب وما تسببه من خراب ودمار ، حيث لم يجن الطرفان أي مكاسب مادية تذكر بل تعقدت وزادت المشاكل بينهما . وتحتفل ايران سنويا” بذكرى اندلاع الحرب العراقية الايرانية عبر اقامة استعراض عسكري كبير في العاصمة طهران، لتعبر من خلاله عن استمرارها باستحضار الماضي والرغبة في عدم تجاوز مآسيه لتثير شجونا كبيرة لم تنته مفاعيلها لحد الآن مثل ملف الأسرى والحدود وتقاسم مياه شط العرب وآبار النفط الحدودية المشتركة والطائرات العراقية العسكرية والمدنية المحتجزة ومشاكل أخرى واستغلال المناسبة لإظهار قوتها العسكرية أمام أميركا واسرائيل، رداً على التحديات التي تواجهها دولياً وإسرائيلياً حول ملفها النووي. ختاما” ونحن نستذكر مرور خمسة وثلاثين عاما” على اندلاع الحرب العراقية الايرانية لابد أن نشير في ظل الظروف الدامية وسفك الدماء واسترخاصها التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط ، بعد استفحال وتمدد تنظيم داعش الارهابي ، الى أن اسباب هذه المآسي الكم الهائل الذي لامعنى له في علم التطور والحداثة ، من العقد الطائفية والانتماءات الدينية المحلية والتطلعات الاستراتيجية المحلية والدولية. والتي هي نتاج لتراكم تظلمات وأحقاد تاريخية دينية، تتحول فيها ساحات القتال إلى فرص كاذبة لنيل الشهادة بالنسبة للمخدوعين من بسطاء القوم ، وإلى أمجاد و انتصارات ونفوذ وثروات بالنسبة للحكام وتجار الحروب . تتحقق بها مصالح واهداف الطامعين من الدول والقوى الاجنبية المتربصة بالمنطقة واهلها وثرواتها . ازاء كل ذلك يبدو أن العراق وايران يقفان اليوم في خندق واحد لمواجهة مخاطر وتهديدات الارهاب الداعشي الذي استشرى خطره بدعم من قبل دول واجهزة مخابرات لا تريد الخير لشعوب المنطقة وخدمة لمن الكيان الصهيوني . ان التضامن والتعاون الايراني العراقي قادر على حماية مصالح الشعبين الجارين وتجنيبهما المزيد من المآسي والدمار
مقالات اخرى للكاتب