كان الفنان الكبير داخل حسن يجلجل بصوته بين رفيف النخيل والقصب وغناء الصيادين وعمال الزوارق في اهوار الناصرية بين هدهدة الامهات وحزن الجنوب وصدق المشاعر التي يتحلى بها اهلنا الطيبون على ضفاف تلك المسطحات المائية وكان صوته يمثل أوركسترا كاملة من ألالات الموسيقية يبث الشجن الدافئ في أعماق مستمعيه و عندما كان صغيرا يسمع اصوات النساء اللاوتي يذهبن الى الاهوار ليغرفن بقدورهن الماء وهن في المشاحيف بين القصب والبردي .. مشاهد ربانية ملونة اروع من اي لوحة ما خطتها ريشة فنان تشكيلي … هذه هي اهوار العراق التي تتميز من دون اهوار العالم الأخرى بانها تمتلك نظاما هيدروليكيا متميزا مما يجعلها تتميز بنوعية مياه متجددة و تمتلك نظاما وتنوعا احيائيا متميزا وفيها إرث عالمي سجل أول انطلاقة لاستعمال الخط والكتابة والنظم المائية والقانون الوضعي والفن والموسيقى والأدب .. تضم الاهوار في ثناياها إرثا حضاريا مهما يبدأ من حضارة سومر الى ما اعقبتها من حضارات بلاد وادي الرافدين ففي محافظة ميسان أكثر من 300 موقع أثري يمثل الحضارات المتعاقبة عليها وكم من سنوات شهدت الاهوار شح المياه من دول الجوار ولم تصل من الحصص المائية المقررة حسب القوانين الدولية للدول المتشاطئة الا النزر اليسير لانها اي الماء هي الاخرى دخلت في خانة السياسية ولهذا نرى السياسيين قد تباشروا خيرا بان المياه المقطوعة من منابعها كحصص عراقية سيتم اطلاقها بناء على إنجاح مشروع قرار انضمام اهوار الجنوب الى اللائحة العالمية للتراث في مؤتمر اسطنبول في تموز المقبل ..هذه اهوارنا مناطق مائية تاريخية مهمة تعرضت لهجمة بيئية كارثية في موضوعة التجفيف ولابد ان تعاد الحياة لها وحقها في ان تكون في مقدمة موضوعات التراث العالمي لماتتميز من اهمية سياحية وبيئية واقتصادية وعندما تتوفر الحصة المائية فانها تعيد وتنشط تنمية التنوع الإحيائي الموجود في المنطقة والحفاظ على الأنواع الفريدة التي تتصف بها اهوار العراق اضافة الى تلك المحاصيل الزراعية التي تنتج أنواعا مهمة من الرز العنبر وغيرها وغيرها من الميزات ومعايير التراث العالمي تجعل لها الاحقية ان تكون ضمن سجل العالمي لمكانتها التاريخية وارثها الحضاري تلك المشاهد الرائعة التي تجذب شعوب الارض للقدوم الى اهوار العراق في رحلات سياحية يستنشقون رائحة العنبر ويستمعتون الى تلك الشواهد من القصب والبردي وهي تردد مع الرياح صدى انغام الفنان الكبير ناصر حكيم وهو ينشد (يابو المشحوف خذني ..على ذاك الصوب ذبني )والفنان الكبير حضيري ابو عزيز وهو يغرد (( عمي يابياع الورد .. كلي الورد بيش ) واهات الفنان ياس خضر في محطة المكير يودع حبيبته ..ستكون هذه المشاهد التراثية حاضرة وغيرها شاخصة امام ممثلي العالم وهم يصوتون من اجل انضمام الاهوار الى التراث العالمي في اسطنبول.. لذلك لابد من جهد وتحرك فاعل من الجهات الرسمية من بينها وزارتي الخارجية والبيئة لتحشيد الدعم وحسم عملية التصويت لصالح العراق خاصة وان المساحات الواسعة من الأراضي الرطبة في مناطق الأهوار تحظى باهتمام عالمي وان الخبراء الدوليين لديهم تصورا كاملا عن تلك المناطق ومدى مطابقتها للمعايير الدولية المعتمدة…كما ان من مسؤولية الاعلام بكل مصادرها ان تكون داعمة لهذه الخطوة المهمة التي تعيد للاهوار صفاءها وتجعلها قبلة لشعوب الارض لتشد الرحل في جولات سياحية وتجد شعبا يمتد حضاراته الالاف السنين وكيف علمت البشرية بناء المجتمعات منذ قانون حمرابي ومسلته المشهورة في بابل
مقالات اخرى للكاتب