ليس من الصعوبة بمكان، أن تجد تفسيرا علميا للهزات المتتابعة التي ضربت وقد تضرب بغداد في الأيام المقبلة، هذه الهزات التي استقبلها العراقيون بروح فكهة، وسخرية لاذعة، على عكس ما كان الإنسان في العصور الغابرة الذي يهرع لتقديم النذور والأضاحي للآلهة التي يعتقد أنها غضبت عليه.
إلاّ أن العراقيين لم يشعروا بغضب أي طرف عليهم، لأنهم متصالحون مع الموت على ما يبدو، وهذا شعور كاتب هذه السطور أيضا.
ما الذي يمكن لهزة أرضية أن تفعله بنا أكثر مما يحدث حاليا وما حدث سابقا؟ وأي نذور من الممكن أن يقدمها العراقيون لآلهة غاضبة منذ قرون طويلة، أكثر مما يُقدم من دم بشكل يومي، حتّى اضحى التفسير الذي يتحدث عن غضب وانتقام ما، غير مجد في ملة واعتقاد العراقيين.
حين اتأمل هذه الهزّات التي لم تثر سوى سخرية الكثيرين ممن اعرفهم أو من أتابع على مواقع التواصل الاجتماعي، أجد إننا في غنى عن غضب الطبيعة الذي يبدو فجّا في بلد مثل العراق، فقد يعتبره البعض أن دلالات غضب لسبب سياسي ويحاول لي عنق المسببات الطبيعية إلى ساحة موضوعه من خلال وسائله المتعددة، ولا استغرب اذا ما أصدرت "داعش" بيانا تدعي فيه ان الله سينصرها بالرعب الذي تُرجم على شكل هزّات أرضية تضرب العراق منذ أيام من شمال إلى جنوبه، وهكذا تتوالي التفسيرات. إلا أن ما يلفت انتباهي التعليقات الساخرة والتي تصدر عن اشخاص واثقين من شيء ما، وأرى من باب الترجيح، واظن مفردة الترجيح أتت في محلها، بسبب تأرجح المراوح السقفية بفعل الهزّات. المراوح التي دخلت في السبات الشتوي، فأيقظتها الهزّات، فأنا أرجح أن تكون هذه الثقة نابعة من علاقة وطيدة بالموت، حيث ارتبط بها العراقيون الذين يقتلون بلا سبب وبموت جماعي ومن أعداء كثيرين، فلا بأس من إضافة عدو جديد ولتكن الطبيعة، فالطبيعة مهما قست فهي أم رؤوم.
ولكننا على كل حال، قد مررنا بالتجربة، ورأينا كيف تكون الهزات الأرضية، ولكن نريد أن نعرف كيف تكون هزة الضمير وهو يصحو، ضمير السياسي الذي تركنا نغرق، فيما اتخذ من بيوت العراقيين الغارقة موقعا لتصوير بطولاته، وميدانا لدعايته الانتخابية، نريد هزة تسقط الغث وتطير بالخفيف من هؤلاء، هزّة تسقط الريش الحرام من العقبان التي انتهشت جثة الدولة، وها نحن أبناء هذه الدولة نضحك بمرارة ونسخر بقسوة مفرطة، في طقس غريب لجلد الذات بالضحك المر.. أرجوك أيتها الطبيعة، هزّة واحدة فقط!
مقالات اخرى للكاتب