غيضٌ من فيضِ كان ياما كان :-
ليس المكتوب بكاءأ على أطلال الماضي
1. كانت عندنا مؤسسة نفتخر بها أسمها ( مصلحة نقل الركاب العامة ) . ياتيك ألباص ( ابو قاط أو قاطين ) الى محطة الانتظار في وقت محدد ، و ينطلق بك في وقت محدد ايضا وفق جدول يضبطه المفتش رحمه الله ، ويحاسب المخالف على ضوئه بأدب وصرامة . والجابي يتحرك من بداية الباص الى نهايته وبالعكس ليعطيك بطاقة ثمنها عشرة فلوس اذا كنت من ركاب النصف الثاني من الباص (كراسي خشب ) ، أو بطاقة ثمنها اربعة عشر فلسا أذا كنت من ركاب النصف الاول من الباص ( كراسي جلد ) . واذا رغبت النزول عند موقع أختياري محدد فما عليك الا ان تضغط على احد أجراس الباص قبل الوصول الى الموقف الاختياري .
2. كانت عندنا مؤسسة رائعة اسمها ( دائرة البريد والبرق ) تسهل تداول الرسائل والبرقيات والطرود وبطاقات التهاني يحملها ساعي البريد على دراجته الهوائية أو البخاريه ( أم الدوبة ) ويسلمها لمن ارسلت اليه منتظرا أكبر أكرامية تسره ( رحم الله والديك ) . وكان مقر الدائرة الرئيسي مقابل الاعدادية المركزية ، مزهوا بالطراز الجميل للبناية ومتنافسا بها مع جمال بناية الاعدادية المركزية .
3. كان الكاتب أو الصحفي يكتب للجميع من العامل البسيط الى الدكتور والطبيب والمحامي والتاجر فلا تعابير غامضة أو غريبة تجعل بعض القراء يتوه في البحث عن شرح لها يبعده عن لب الموضوع الجاد والذي يدخل في تماس قوي مع حياته اليومية . واذا أُضطر الكاتب أضطرارا لامهرب منه لاستخدام كلمة غريبة فانه لابد ويعرض ايضاحها . لم نكن نسمع الميكانزم ولا الكارزما ولا الطوباوية ولا الانطولوجيا. كان الكاتب يبتعد عن الغموض الذي يورطه ويوقعه في دائرة اتهام ألبحث عن الشهرة الكاذبة .
4. وكان الكاتب او الناقد لا يحط من قدر الاخرين الذين لا يتفقون معه أو الذين لا تعجبه آرائهم فلا يصفهم بانصاف المتعلمين مثلا أو السخفاء او أصحاب القلم التافه أو الطارئين على حصن القلم ، لان الكاتب والناقد والصحفي كان على درجة من الثقافة والتوازن ورجاحة الرأي ما أهله للرد بدون تجريح أو فقدان احترام القاريء الذي هو رصيد الكاتب والصحفي والناقد .
5. صحفنا كانت شفافة ورصينة خالية من المهاترات ، وتلتزم بالمهنية الى ابعد حدود الالتزام . وكان اصحاب هذه الصحف من بيت الصحافة و اهله فكانوا معروفين عند الامة بصدقهم و زهدهم وحبهم العراق .
6. الرشوة ، أو مجرد التلميح بها للموظف ، كانت تمثل اعتداءا على العرض . يكفي هذ التوصيف .
7. أما المدارس والكليات فكانت حرما آمنا لا يدنسه أي نوع من الفوضى وانعدام الالتزام من كلا طرفي العملية التربوية ...المعلم والطلبة.. ولم تكن الكلفة ( الحدود الضرورية ) ملغاة بينهما . وكانت وزارة المعارف ، حتى بعد تبديل اسمها ببضعة سنوات ، من أقوى الوزارات واشدها حرصا على العلم والمعرفة والفضل في هذا لكوادرها الوطنية .
ولم تكن هذه الصورة المشرفة بعيدة عن بقية ألأختصاصات مثل المحامي والطبيب والجندي والضابط و
وغيرهم .
8. كم كان منظر عضو البرلمان ( الامة ، الاعيان ) رائعا وهو يمشي في الشارع لايضايق أحدا ولا احد يزعجه ، يتسوق من اسواق العامة ويشرب الشاي في مقاهيهم ويتكلم بنفس لغتهم ..وهذا هو المهم جدا .
9. أبنة ألمحلة ( الطرف ) كانت مقدسة عند شبان المحلة فاذا لم تكن أختا كانت الحبيبة ..وعندما تكون الحبيبة فعلا فهي سر شخصي ولا تكون غرضا للتندر أو اللعب او ألكيد أو الرهان .
10. أما أذاعتنا الجميله فكانت بمثل جمال أخبارها وندواتها واغانيها وبرامجها ، تديرها وترعاها صفوة النخبة من الاعلاميين والفنيين ، وضيوفها كانوا من المحبوبين شعبيا والمعروفين في الوقت نفسه شعبيا كذلك . و في التلفاز كانوا كذلك . في هاتين المؤسستين كان المذيع والمذيعة من خريجي الكليات التي تختص باللغة والادب بشكل عام فلم نسمع منهم لحنا في اللغة ولا ميوعة في التحدث ولا عرض ازياء ومفاتن . كانت مؤسسة ثقافة .
11. لم يكن العراقيون حفاة أبدا من كل الجوانب . لكن متى يقفون عند خط شروع اعادة البنيان ؟
مقالات اخرى للكاتب