تعد الموازنة، أي ميزانية الدولة، التي تعرض فيها الإيرادات والنفقات المقترحة لمدة سنة، التي عادة ما تقرها السلطة التشريعية في البلدان الديمقراطية؛ العصب الرئيس لاقتصاد البلدان ونموها وتسيير دفة المشاريع وتنظيم عمليات الصرف فيها ومراقبتها.
ان موازنة كل سنة يفترض ان تكون قائمة بذاتها؛ كي لا تحدث فوضى في عمليات تنظيم العلاقة بين الايرادات والانفاق، والجوانب التشغيلية والاستثمارية وامور كثيرة اخرى، فضلا عن سهولة متابعة تلك الاموال ومراقبة اوجه استعمالها الذي ترفده قوائم الحسابات الختامية، التي يفترض ان تقدمها الجهات المعنية بالصرف في كل مؤسسة في نهاية كل سنة مالية؛ وفي معظم دول العالم تمر قضية الموازنة وتقر بهدوء من دون ان تثير أي زوبعة اعلامية مثلما هو الحال لدينا في العراق.
لقد انصرم عام 2013 من دون ان تقر موازنته، ومن دون ان تقدم أي حسابات ختامية نظامية، وهو ما جرى ايضا في السنوات السابقة منذ عام 2003 ، و ها هو عام 2014 يوشك أن ينقضي من دون ان تلوح في الافق بوادر لحسم موازنته.
لقد تسربت في الايام الماضية انباء عن تقديم موازنة 2015 بدلاً من موازنة 2014 فيما استبعد نواب اقرار الموازنة في الأشهر الأربعة المقبلة، مرجحين تركيز جهود الحكومة على اعداد موازنة العام المقبل 2015 وتقديمها الى البرلمان في موعد مبكر لإقرارها، بحسب تصريحات لوسائل الاعلام.
لقد كانت عملية تأجيل النظر في الموازنة و عدم التصويت على موازنة عام 2013، وحتى 2014، لدوافع سياسية واضحة يفترض الا تُقحم في موضوعة الموازنة؛ وما دامت الخلافات السياسية والضغائن والاحقاد التي يضعها السياسيون احدهم للآخر قائمة على قدم وساق، فان عوامل الشعور بالمسؤولية الوطنية، ومن ذلك الحرص على مناقشة الموازنة واقرارها سيكون غائباً؛ وسيجد السياسيون دائماً مسوغات لتعطيل الموازنة في كل مرة ترفع فيها للقراءة او التصويت، ولن تنفع اللجان التي يتسابقون الآن على تشكيلها ومنها ما قيل انها لجنة خاصة شكلت لمناقشة الموازنة العامة مكونة من نواب مختصين في المجال المالي والاقتصادي بحسب مصادر مجلس النواب، اذ انهم وضعوا منذ الآن الالغام في جسد تلك اللجنة؛ اذ اعلن انها ضمت ممثلين عن جميع الكتل السياسية، ما يعني انها ستبتعد عن مهنيتها حتماً، اذ ان الوضع العراقي لا يحتمل جلب السياسيين بصراعاتهم اليومية و غير المنطقية الى لجان مختصة يفترض ان يقتصر عملها على طبيعة اختصاصها.
اننا نقترح ان يجري تشكيل اللجان الخاصة بالموازنة من المختصين بالشؤون الاقتصادية والمالية حصراً، حتى اذا لم يكونوا اعضاء في مجلس النواب، اذ ان مسؤولية بناء البلد وتطويره ليست حكراً على اعضاء مجلس النواب، كما ان لدينا في الاوساط الاكاديمية والعلمية كفاءات كبيرة وعقولاً نيرة؛ ولنا في المنجزات التي حققها مجلس الاعمار في العهد الملكي، و كذلك امتداد ذلك الى الجمهورية الاولى دليل على ما تقدمه الأفكار العراقية فيما لو احسن استخدامها.
مقالات اخرى للكاتب